الراحة والأمان في وطني الثاني فلسطين

سأحاول أن أكون موجزا قدر الإمكان في سرد تجربتي في فلسطين، لكن قد يكون من الصعب استئناف وذكر كل ما أفكربه في هذه التجربة وكل العواطف التي مررت بها، كما أستطيع ببساطة أن أقول إن هذه الرحلة كانت أفضل رحلة في حياتي قمت بها على الإطلاق.
بقلم: بقلم فاني - فرنسا
أعرف فلسطين من خلال الصراع الذي درسته وقرأت عنه في الكتب وأتابعه في الأخبار، والسبب الرئيسي الذي دفعني لاختيار فلسطين للعمل التطوعي كان بسيطًا فكل ما أردته هو أن أرى بأم عيني كيف يبدو الاحتلال في الميدان أي على أرض الواقع، وكيف يتعايش الشعب الفلسطيني معه. وفي حقيقة الأمر، ما كان مذهلاً بالنسبة لي هو اكتشاف فلسطين الحقيقية، أعني ما يحدث حقًا في فلسطين، وكيف تبدو على أرض الواقع، وكيف حال الناس، وكيف يؤثر الاحتلال الإسرائيلي على حياتهم وإلى أي مدى، وكيف يفكرون في هذه الواقع، لقد اكتشفت العديد من الأشياء التي لا نستطيع الاعتماد فيها على وسائل الإعلام لمعرفة الحقيقة عنها.
وكان التركيز في هذه الرحلة على الموقف السياسي من خلال الأنشطة اليومية أو الرحلات التي قمنا بها أمرا رائعا، فلقد قمنا بزيارة مخيم اللاجئين، حيث قابلنا الأطفال الذين حضروا إلى المدرسة، وسيدة عجوز كانت في العاشرة من عمرها عندما حدثت نكبة عام 1948، وكان تبادل الافكار والاراء بما يتعلق بالقضية السياسية للاحتلال في فلسطين مع بروفسور من جامعة النجاح أيضا أمرا مثرا للاهتمام، وزيارة مدينتي بيت لحم والخليل وغيرها من الانشطة اليومية الأخرى.
أحد الأسباب الأخرى التي تجعل هذه التجربة من أفضل التجارب التي قمت بها في حياتي هو جمال فلسطين، فكل الأماكن التي زرناها حقيقية ورائعة في جمالها، ومن بين كل الأماكن التي مررت بها، كنت حريصا على أن أقتبس لحظة لا تنسى من السلام والهدوء كجمال الليل في الصحراء وشروق الشمس فوق البحر الميت.
أود أيضا أن أذكر اللحظات التي لا تنسى والتي حظينا بها خلال زيارة المركز التاريخي لبيت لحم، وزيارة قرية سبسطية، ومدينة نابلس والبلدة القديمة الساحرة فيها، حيث تناولنا عشاء رائعا على سطح المطعم، ولا يمكنني أن أنسى جمال جامعة النجاح - الحرم الجامعي القديم والجديد. كل هذه الأماكن واللحظات التي ذكرتها جعلتني أستمتع بزيارتي لفلسطين، ولا بد أن أذكر أنني شعرت بالحزن لكوني لم أحظى بفرصة المشاركة في زيارة مدينة أريحا، وهذا ما سيدفعني من دون شك للعودة لزيارتها في المرة القادمة.
الأشخاص الذين قابلتهم خلال الرحلة سواء كانوا طلابا أم غير ذلك كانوا أحد الاسباب الأخرى التي أثارت دهشتي في هذ التجربة القيمة، فلم يسبق لي أن رأيت بلدا ترحب بالضيوف الأجانب على هذا النحو كما أن الناس فيها مستعدون لتقديم المساعدة من دون أي مقابل، وبالرغم من الماضي الصعب الذي عاشوه إلا أنهم يتقبلون التحدث معنا حول هذا التاريخ القاسي بكل صدر رحب وبالرغم من أنه لم يمض سوى وقت قليل على تعرفنا على بعضنا البعض.
في اللحظة الأولى التي سافرت فيها ورأيت فلسطين، حيث كان ذلك في الأول من يوليو، شعرت بالراحة والأمان كما لو أنني في وطني الأم، ولا يمكنني أن أنسى ذكر الجهود الكبيرة التي يبذلها متطوعو برنامج زاجل للترحيب بالمتطوعين الدوليين وجعلهم يشعرون بأنهم في وطنهم الأم، بغض النظر عن أعمارهم أو جنسيتهم أو حاجز اللغة الذي بيننا. لقد افترضنا أن العمل في مثل هذه المؤسسة لا بد أن يكون أمرا مرهقا للغاية، لكن الطلاب دائمًا ما كانوا يبتسمون ويتفاعلون معنا في اي محادثة تبدأ بيننا. علاوة على ذلك، لم نكن وحدنا أبدًا، فقد كان الطلاب دائما إلى جانبنا لمرافقتنا والإجابة على أسئلتنا ولمساعدتنا في الحصول على كل ما نحتاج.
السماح لنا للقيام برحلة في ظل كل هذه الظروف أمرا يستحق التقدير، وكنا نحصل على كل ما نحتاجه من الطعام أو الشراب على الفور، وأعتقد أيضا أن هذه التجربة كانت فرصة مناسبة لتبادل الكثير من الأمور مع الطلاب المحليين، مما أتاح لنا فهم هذا البلد وتاريخه والتحديات القادمة.
كان الجزء الأكثر صعوبة بالنسبة لي في هذه التجربة هو موضوع ورش العمل التطوعية، حيث تقدمت بطلب للمشاركة في برنامج زاجل بهدف الحصول على تجربة تطوعية، إلا أنني لم أفكر مطلقًا في أن أكون مدرسًا كوني ما زلت طالبًا ولم أقم بالتدريس من قبل، وطُلب مني قيادة ورشة كسر الحاجز اللغوي مع مجموعة من المبتدئين في اللغة الإنجليزية، حيث تم تقديم المساعدة لي في تصميم المساق الأول وسارت الأمور على ما يرام.
أود حقاً أن أؤكد على الدور الذي لعبه منسقو برنامج زاجل الرائعين خلال القيام بورش العمل التطوعية، فلم يتوانوا عن تقديم المساعدة والدعم لي، مما جعلتي أشعر بالراحة والسعادة، وكلي أمل أن يكون الطلاب المشاركين في الورش قد استفادوا منها. في النهاية، أنا فخور بأنني تمكنت من مواجهة هذا التحدي، حيث كانت تجربة التدريس تجربة غنية لا تنسى حقًا.
كما أود حقًا أن أشكر جميع أعضاء فريق برنامج زاجل الدولي ومنسقي وطلاب ورش العمل وكل الأشخاص الذين قابلناهم خلال الأنشطة والرحلات اليومية الذين حظينا معهم بوقت ممتع وثمين.