لماذا لا يعالج المريضُ المريضَ
قبل بضع سنوات قامت الطبيبة الالمانية النفسية انجي ماسال بادخال تركيبة جديدة لنظام علاج الاضطرابات والصدمات النفسية التي يعاني منها ضحايا الحروب ومهجروها. كانت انجي تعمل لسنوات مع اللاجئين الافغان في المانيا، وبناء على خبرتها وملاحظاتها المتراكمة في سنوات العمل والتعامل معهم فكرت بتعديل نظام التعامل مع الحالات، فبدلا من أن تقوم المنظومة العلاجية على علاقة ثنائية بين طبيب ومريض، لماذا لا يعالج المريض المريض؟ طبعا تحت اشراف الطبيب عن بعد.
بقلم: جمانة خليل
تحرير: دائرة العلاقات العامة
كما تعودنا أن نردد: ( إسال مجرب ولا تسأل طبيب) عندما يتعلق الامر بقضايا عاطفية او نفسية فأكثر من يشعر بك هو من مر بحالتك وبظرفك. هذه النظرية الاولى التي اعتمدت عليها انجي في فكرتها. ثم أن تقديم العون للغير والشعور بادخال تغيير على حياة الاخر هو أسمى المشاعر الانسانية وأقوى العوامل لزرع الثقة بالنفس والكون، وربما أنجع بلسم للروح المنهكة، ومن هنا جاءت النظرية الثانية التي بنت عليها الفكرة.
بهذه المعادلة البسيطة المستوحاة من المحيط المحسوس الملموس تميزت انجي وكانت من المع اعضاء مؤسسة اشوكا لصناع التغيير، وفازت بالعديد من الميداليات والجوائز في مجالها النبيل.
الكثير يتساءل عن اسرار تميز النظام التعليمي الياباني ويسعى جاهداً لاستنباط الفروق بينه وبين غيره. النظام التعليمي الياباني هو واحد من اقوى وارقى الانظمة التعليمية في العالم، أعتقد أن الفنلندي يأتي في المرتبة الاولى والياباني يتربع على الثانية. لا اعلم ما الاجابة الوافية لهذا السؤال ولكن اريد ذكر ملحوظة تتعلق بالمكتوب اعلاه.
حصة الرياضيات في معظم المدارس اليابانية تسير على الشاكلة التالية:
المعلم يكتب المعادلة على السبورة بعد اعطاء المقدمة لدرس اليوم، يشرحها على مهل، يكررها مرة اخرى بمثال آخر، يستقبل الاسئلة من المستفهمين، وانتهى. نعم، انتهى دوره هناك.
يسلم الطبشورة لطالب آخر، هذا الطالب عليه أن يملي معادلة من خياله على شاكلة المشروحة سالفاً من قبل المعلم، يشرحها بالطريقة التي فهمها هو، يفهمها للاخرين ثم يسلم اللاحق رايته. اذا كان عددهم كبيرا يقسم الصف الى مجموعات لتيسير العملية وتوفير الوقت، وهكذا حتى يصل الدور لاخر طالب في الصف، فيكون كل طالب قد لعب دور الطالب والمعلم سويا. الامر نفسه في الثقافة اليابانية، يلاحظ اينما اتجهت، ويطبق لاحقا في الدراسات الجامعية والعليا.
شخصيا، التحقت بجامعة كيوتو قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات، تعلمت تسعين بالمئة مما تعلمت من طلاب، وعشرة بالمئة فقط من البروفيسور في مختبرنا والاطباء في الاقسام الاخرى. عندما كنت طالبة سنة اولى في الماجستير علمتني طالبة سنة ثانية في نفس قسم الماجستير، وعندما اصبحت انا في سنتي الثانية علمت الجدد، وعندما بدأت في برنامجي الدكتوراه، بدأت اعلم استخراج الحمض النووي الاوكسجيني من الخلية لبعض طلاب الماجستير، مع ان ذلك لا يعني ابدا انني خبيرة بهذا السياق، ولكن التعلم والتعليم لا يزهران الا اذا جارى كل منهما الاخر، تماما في نفس الوقت. هذا ما علمتني اياه السنون هنا وهذا ما سالتزم به طيلة حياتي.
المتطلع على الثقافة اليابانية يعلم ما تعنيه كلمتا (سيمباي - كوهاي ) بنات هذه المنظومة.
فوائد هذا الاسلوب:
- ابقاء الطلبة دائما يقظين وفي قمة التركيز والمشاركة.
- تعزيز القدرة على تذكر المعلومة واستحضارها لاحقا، فمن المعروف بديهيا اننا نتذكر تسعين بالمئة مما نمارسه ونعلمه للغير بينما لا نذكر نصف تلك النسبة في حالة التلقين احادي الاتجاه.
- بناء الثقة بالنفس والايمان بالقدرات والاهمية الفردية لكل شخص على حد سواء.
- تقوية الشعور بالمسؤولية، ففي المدارس والجامعات اليابانية اي مشكلة تحصل يكون حلها واجبا على الطلاب أنفسهم دون تدخل مدير ولا معلم.
- التعليم شرط للتعلم، لا تستطيع النمو بنفسك وقدراتك ومهاراتك العملية واليدوية الا اذا مكنت في نفسك وقلبك اساسيات هذا العلم او هذه المهارة وهذا يتأتى بنقل وتبادل الخبرات والمعلومات بدرجة اساسية ( التعليم).
هدفي من ذكر المثال الاول كان ربط الفكرتين والتاكيد على فعالية هذا المفهوم في مجالات كثيرة. استعمال مفردات مثل " معلم "، " طالب" ،" مريض"، "ذكي "، "غبي "، "عديم المسؤولية " بات باليا ورتيبا ولا يتناسب مع الزمن الذي نعيش فيه. هناك الكثير من المدارس هنا في اليابان -والتي تبنى بدعم من مؤسسة اشوكا ايضا- التي توقفت عن استعمال وصف المعلم والطالب واقامت نفسها على شعار " كل منا هو معلم وطالب في آن واحد ". نعم، كل فرد منا هو معلم وهو طالب.