جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


نزور المدن فنظن أن أبنيتها هي التي تجذبنا، أو أن طبيعتها هي التي تأسرنا، أو أن رقي ساكنيها هو ما يبهرنا، لنكتشف مع ‏مضي الوقت ان جل ما فيها يسكننا. بإحساس صادق وحروف تنبع من القلب. تتبارى الكلمات في ذهني لوصف سحر ‏ايطاليا ومدنها، فلا البداية سهلة الوصف ولا النهاية تختصرها الكلمات.‏


بقلم: تالا جمال

تحرير: دائرة العلاقات العامة

أذكر يوم سفرنا جيدا، فقد نسقنا له بكثيرٍ من الوقت والجهد والعمل الجاد، كان يوم الاربعاء الموافق 30 اب من العام ‏‏2017، يومٌ جرت احداثه بسرعه لم نكن نتخيلها، كان الجسر شبه فارغ من المسافرين، فما لبثنا أن نبدأ اجراءاتنا من ‏اريحا الفلسطينية حتى انتهى بعد سويعاتٍ نهارنا في مدينة مأدبا الاردنية. وبالرغم من عدم توفر الوقت الكافي الذي يمكننا ‏من التعرف على مدينة مأدبا الأثرية وعلى كنائسها ذات البناء المعماري العريق، الا أن حماسةَ معظمنا ساعدتنا على ‏التجول لبضع ساعات في ساحاتها وشوارعها، لنتمكن بما تبقى معنا من الوقت من أخذ قسطٍ من الراحة في سكننا.‏

الساعة الان تدق عقاربها معلنةً أنها الواحدة بعد منتصف الليل، لتخبرنا أن موعد تحركِنا قد حان، توجهنا جميعا بالباص ‏الى مطار الملكة علياء الدولي، توجه المقبلين على احد عشر يوما تعد من أيام عمرنا المعدودة، منتظرين طائرتنا الى ‏مطار أثينا ومن ثم الى وجهتنا الرئيسية "ايطاليا".‏

روما كانت اولى محطاتنا الخمسة، لا أبالغ إن قلت أنها متحف كبير، ففي كل زاوية من هذه المدينة أثر يروي لنا تاريخها ‏العريق. ثلاث أيام من الانبهار بما حققته الحضارة الرومانية، فالمدرج الروماني (الكولوسيوم) وحمامات كاراكلا ومعبد ‏البانثيون ونافورة تريفي وغيرها الكثير من المعالم الأثرية تعد شواهد على حضارة سيطرت وتجبرت ومن ثم ضعفت ‏ووهنت. روما لوحة فنيه متكاملة، تجد فيها ما يبهرك من عِظمِ تاريخها وما يسحرك من جمال طبيعتها. فنهر التيبر سيكون ‏صديقك الصدوق الذي لن تمله أبداً، ذكرياتي معه محفورة في قلبي وعقلي، فقد أمضينا ليلتنا الأخيرة بالقرب منه بأجواءٍ ‏عربيةٍ خالصة.‏

ومما لا يُنسى بكل تأكيد زيارتنا الى مدينه الفاتيكان، فقد تعرفنا خلالها على مدينة يتوجه اليها ملايين الزائرين سنويا، إما ‏بهدف التعبد والتقرب الى الله او بهدف دراسة تاريخ العالم القديم؛ الذي تم التعبير عنه بلوحاتٍ فنية فريدة على يد أشهر ‏الرسامين والفنانين أمثال ليناردو دافنشي ورافائيل، كما وسنحت لنا الفرصة لمشاهدة بعض تحضيرات القداس ليوم الاحد.‏

أما محطتنا الثانية فقد كانت نابولي، مدينة بعيدة كل البعد عن فخامة روما وتاريخها. لكن ما يميزها ببساطه هو ترحاب ‏ساكنيها وطعامها اللذيذ وبحرها ذو اللون الأزرق المميز. في هذه المدينة لم نحتاج الى مرشد سياحي فقد كانت جامعه ‏الاورينتاليه بكادرها التدريسي وطلابها جاهزة لمساعدتنا، فقد رتبوا لنا زياراتنا لجميع معالم المدينة المشهورة مثل القصر ‏الملكي، قلعة ديلوفو، المتحف الوطني، متحف العلوم الطبيعية وغيرها الكثير.‏
وفي مشهد امتزجت فيه الحقيقة بالخيال، الحاضر بالماضي، ترى امامك بلدة قديمة ذات حجارةٍ ضخمة وبيوتٍ مهجورة ‏تكاد تنطق من هول الكارثة وعِظمها.  مدينة بومبي القديمة أحدى أهم المحطات التي لفتت انتباهي. عند دخولك المدينة ‏سيواجهك جبل فيزوف ذلك الجبل الثائر الغاضب، فحسب بعض الروايات بيزوف ثار عصرا رفضا لسلوك ساكنيه فأمسوا ‏رمادا متناثرا ستستشعره حتما عند تجولك في طرق المدينة. حمم بيزوف لم تستثنِ أحدا فلا الغني ردت عنه أمواله النيران ‏الحارقة ولا الفقير عفت عنه تبعيته ورضوخه فكلاهما في الفاحشة سواء.‏
ومع صباح اليوم السابع توجهنا الى مدينة فلورنسا، مدينة الجمال الأخاذ فلا شيء فيها يقبل المقارنة فهي فريدة حقا. وانت ‏تسير في شوارعها سيلفتك رقي ساكنيها وأناقتهم سيلفتك معمارها العظيم حتى نهرها مختلف عما رأيته في روما. وإن ‏حاولت ان اختار مكانا كان قريبا من شخصيتي وروحي فبكل تأكيد سأختار فلورنسا.‏
اما محطتنا شبه الاخيرة كانت فينيسا مدينة الرومنسية والحب، مدينة يتمنى الجميع زيارتها. تسمع فيها قصصاً تجمع ‏المحبين بطريقة لم تسمعها من قبل، واحدى هذه القصص تعود لرجل ايطالي وامرأة برازيلية، كنا ننظر اليهم من بعيد ‏مستغربين نمط اللباس الذين يرتديانه فقد كان لباسهما لباس القرن التاسع عشر وفق ما نرى في افلام ذلك القرن، حاولنا ‏من بعيد التنبؤ فيما اذا كانا محبان حقيقيان ام هما مجرد شخصان يرتديان لباساً للفت الانتباه، وعندما انتبهوا الينا رأينا منهم ‏ترحابا ورغبة للتكلم معنا، توجهنا نحوهما وتحدثنا لوقت طويل، لنعرف ان ذلك اليوم كان يمثل لهما يوم اللقاء الاول قبل ‏أعوام خلت، أذكر نظراتهما لبعضهما البعض جيدا، كانت نظرات محبين في يومهما الأول. آخر محطاتنا كانت ميلانو، ‏اكثر ما جذب انتباهي فيها هو جمال جبال الالب في الافق البعيد مكسوه بالثلج الابيض، وبهذا المشهد اكون قد ودعت ‏ايطاليا على امل اللقاء مجددا.

Read 404 times

© 2024 جامعة النجاح الوطنية