لن يكون تطورنا راسخاً إلا اذا واكبه تطور فكري ثقافي
بدأت تجربتي مع الأنشطة اللامنهجية في الفصل الثاني من سنتي الأولى في كلية الطب وعلوم الصحة في جامعة النجاح الوطنية وذلك خلال مشاركتي بندوة (لحياتك معنى: ندوة مستعجلة لكيفية التعامل مع خطر السلاح الكيماوي) والتي نسقها إتحاد طلبة الطب العالمي فرع جامعة النجاح مع مجموعة من زملائي وزميلاتي. كانت تجربة رائعة حضرها الزملاء ومجموعة من الاطباء والمدرسين. حينها ابتدأت رحلتي لعالم آخر ساعدني على أن أكون الشخص الذي أنا عليه اليوم .
بقلم: ليث أبو صنوبر
تحرير: دائرة العلاقات العامة
كانت دراستي للطب مدخلاً لعالم العمل التطوعي والأنشطة المجتمعية ولم تشكل يوماً عائقاً أمامي. فقد أعطتني الخبرات والمعلومات الصحيحة عن الأمراض المختلفة التي تواجه مجتمعنا وسبل الوقاية والحد منها وهو ما شجعني لأتطوع بعدة حملات طبية توعوية مع اتحاد طلبة الطب كحملة مكافحة التدخين والتي شملت أنشطة توعوية في الحرمين الجامعيين وفي الشوارع ووسط البلد. حملة توعوية عن مرض الثلاسيميا تركزت في مدارس مدينة نابلس وقراها وبعض المدن الأخرى. وحملة مميزة فريدة من نوعها في يوم السعادة العالمي تضمنت توزيع الحلوى على أعضاء الهيئة التدريسية وفعاليات لنشر السعادة والبسمة في ذلك اليوم.
لم تقتصر أنشطتي على الحملات التوعوية فحسب بل عملت على تطوير مهاراتي الطبية السريرية المختلفة عن طريق مشاركة زملائي بكلية الطب وبقية كليات المجمع الطبي مع إتحاد المهن الطبية الفلسطيني ومركز أمل الحياة في العديد من الأيام التطوعية الطبية في قرى عديدة في نابلس وجنين والأغوار وغيرها. نقوم خلالها بإجراء الفحوصات المجانية لضغط الدم ومستوى السكر في الدم وفصيلة الدم وفحص الطول والوزن للأطفال وفحوصات النظر والعيون بالإضافة للدور التوعوي حول الأمراض المزمنة الشائعة والأنشطة الترفيهية للأطفال. استمرت هذه الفعاليات لأيام عديدة رافقتها دعاء كبار السن وضحكات الأطفال.
من أهم المبادئ التي وضعتها نصب عيني الاندماج مع المجتمع وعدم اقتصار دائرة علاقاتي على الأنشطة ضمن إطار الجامعة والاتحادات الطبية في الكلية فتطوعت مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني/فرع نابلس والتي زودتني بدورات عديدة تطور مهاراتي وقدراتي على التعامل مع أصعب الظروف كدورة مكافحة الكوارث وإقامة المستشفيات الميدانية (خيام المعسكرات الطبية ومتطلباتها) ودورات الإسعاف الأولي. شاركت بالعديد من الأنشطة التي تقيمها الجمعية كما شاركت مؤسسة النداء الفلسطيني الأمريكي الموحد بالتعاون مع مركز أمل الحياة بالعمل مع الجراح الرائع جون فان آلاست وفريقه من الجراحين والأخصائيين الفلسطينيين والأجانب في بناء قاعدة البيانات الأكبر فلسطينياً عن تشوهات الشفة الأرنبية وسقف الحلق المفتوح فساعدت في أخذ وتعبئة المعلومات من أسر المرضى وبتنسيق إجراءات العمليات الجراحية التطوعية التي كان يقوم بها الدكتور آلاست بكل إنسانية في مختلف مدن الوطن والتي كانت تجربة لا توصف
بالرغم من نضج طالب الطب وإدراكه لمشاكل مجتمعه الطبية والصحية إلا ان التحديات التي تواجهنا في طريقنا للرقي والتقدم أكثر من ذلك. ومن منطلق إيماني بأن التطور المعماري والطبي والهندسي لن يكون راسخاً بأساسات ثابتة إلا اذا تواكب مع تطور فكري ثقافي. فقمت في سنتي الدراسية الثانية بالتعاون مع عدد من الزملاء والزميلات من مختلف كليات الجامعة بتأسيس وإعادة إحياء نادي "إقرأ" والذي يعنى بشكل رئيسي بالاهتمام بالمواهب والأقلام الشابة النثرية والشعرية في الجامعة ودعمها وذلك بتنسيق عدد من الأمسيات الشعرية والأدبية بمشاركة نخبة من الكتاب والشعراء والمؤلفين من داخل وخارج الجامعة لخلق أجواء ثقافية تدعم المواهب الشابة وتدفعها للمزيد.
وقبل نهاية السنة الثانية أتاحت لي جمعية مهندسون بلا حدود/ فرع جامعة النجاح ضمن برنامجها الثقافي (حراء: حضارة بدأت باقرأ) فرصة ذهبية للانضمام لأعضاء الهيئة الإدارية لأكتسب خبرات جديدة وتحديات أخرى تضمنت الإشراف والتنسيق لفعاليات القراءة الجماعية ونقاش العديد من الكتب والروايات والسير الذاتية لكبار المؤلفين الفلسطينيين والعرب والعالميين باللغتين العربية والإنجليزية. الإشراف على إصدار وتقديم ثلاث كتب لمواهب شابة والعديد من الأنشطة الثقافية بالتعاون مع بقية الأندية الثقافية في الجامعة مع وزارة الثقافة ومع الجمعيات الثقافية الداعمة للثقافة في المجتمع كمكتبة بلدية نابلس بالإضافة الى معرض (أندلسيات) أكبر مشاريعنا في تلك الفترة. وبعد عام تقريباً استلمت منصب إدارة برنامج حراء الثقافي واشغله حتى اليوم.
أنشطتي ومشاغلي الكثيرة لم تنسيني واجباتي تجاه زملائي من طلاب الطب خاصة والمجمع الطبي عامة وكذلك الطلاب الجدد في السنوات الاولى والثانية ممن يجب علينا توفير الدعم والإرشاد لهم فشاركت بعدة أنشطة تهدف لتعريف الطلبة على تخصص الطب البشري ومستلزماته وتحدياته وآخر التطورات على الساحة الطبية وأهمية التعاون والتكامل بين مختلف أعضاء الفريق الطبي إضافة لبعض المحاضرات التوضيحية لبعض المواضيع الهامة بصورة جديدة مبسطة بعيدة عن أجواء غرف المحاضرات التقليدية.
وأنا على مشارف إنهاء سنتي الرابعة. أقف قليلاً لأنظر للخلف فلا أجد إلا قدراً كبيراً من المعارف والأشخاص الرائعين الذي التقيت بهم خلال رحلتي ممن تعلمت منهم الكثير. العديد من الدعوات والابتسامات وفي جعبتي الكثير من الخبرات والمهارات التي أدعو الله أن تساهم بأن أكون إنساناً أفضل قبل أن تساهم بأن أكون طبيباً أفضل في يوم من الأيام. نصيحتي الأخيرة لزملائي طلاب الطب الحاليين والمستقبليين ممن يفكرون بالانضمام لإحدى كليات القمة في الجامعة. لا تقلق تستطيع أن تكون اجتماعياً ومحبوباً بحصيلة كبيرة من الأنشطة والفعاليات التطوعية واللامنهجية مديراً لبرنامج ثقافي أحد ممثلي طلاب دفعتك وبتقدير تراكمي جيد جداً. عليك فقط أن تجد أسطورتك الشخصية وتظهر حماساً كافياً للمهمة.
لكل انسان أسطورة شخصية عليه أن يتمها وهذه الاسطورة هي سبب وجوده في هذا العالم. وتتجلى اسطورته الشخصية من خلال حماسته لمهمته - باولو كويلو/ كالنهر الذي يجري.