من الجمعية الطلابية لعلوم الفيزياء والفلك إلى جامعة السوربون
لماذا نحن هنا! من أين أتينا! من أين أتت تلك النجوم في السماء! هذه الأسئلة وغيرها اندفعت لتفكيري ودفعتني لتأمل السماء وما زالت. هكذا بدأ اهتمامي بعلم الفلك وازدادت رغبتي بمعرفة نشأة الكون وعلاقتنا به.
بقلم: شيماء حسين....تحرير: دائرة العلاقات العامة
علمت خلال قراءتي عن الكون بأن كل ذرة بأجسامنا قد صنعت بفضل الله داخل تلك النجوم التي نراها بعيدة في السماء. أدركت عند النظر للسماء أن لا فرق بين ما هو هنا وما هو هناك. نحن جزء من هناك. نحن لا نتواجد داخل هذا الكون فحسب. بل يتواجد هذا الكون بداخلنا. أصبحت حين أنظر إلى السماء ليلا أشعر بالانتماء لها. زاد ذلك من رغبتي بالمعرفة أكثر عن هذا الكون مما دفعني للالتحاق بقسم الفيزياء في جامعة النجاح. فالفيزياء كما أراها هي اللغة التي نستطيع أن نروي من خلالها قصة الكون.
بدأت مشواري في قسم الفيزياء وبداخلي تحمس كبير وأحلام وطموحات كثيرة. أمضيت أول سنتان بمحاضرات التخصص واختباراته. شعرت حينها أن هناك أمراً مفقوداً. إذ ينظر الطلاب للفيزياء باعتبارها مجرد معادلات وقوانين سيجبرون على تعلمها لاجتياز الاختبارات ويسرون عند اجتيازها. شعرت بوجود فجوة بين ما أتعلمه وما أرغب بتعلمه من التطبيقات العملية للفيزياء في حياتنا وعالمنا الواقعي.
آمنت حينها أننا نحتاج لتغير نظرتنا لتعلم الفيزياء. ماذا ستقول عنا الأجيال في المستقبل! عشنا ومررنا بالتاريخ مرور الكرام دون أن نستكشف من أين أتينا ودون العثور على اجابات عما يدور بأذهاننا من افكار عن الكون!
آمنت أننا بحاجة إلى المزيد من الطموح والحلم. فعندما تحلم أمة ما أحلاما كبيرة يصبح كل شيء في مكانه الصحيح.
بدأت أحلم مع مجموعة من زميلاتي وزملائي بتغيير نظرة الناس وطلاب الفيزياء أنفسهم للفيزياء والنظر اليها ليس باعتبارها مادة نظرية ومعادلات وقوانين بل باعتبارها منهج تفكير وأسلوب حياة ولغة نروي بها حكاية الكون. بدأت أولى خطوات تحقيق هذا الحلم مع زميلاتي وزملائي بتأسيس الجمعية الطلابية لعلوم الفيزياء والفلك والمعروفة باختصار باسم (سابا) والتي تشرفت بمسؤوليتي عن العلاقات العامة فيها في سنتها الأولى والأنشطة في سنتها الثانية.
واجهتنا صعوبات لتقبل الفكرة حتى تمكنّا من التواصل مع كرسي اليونيسكو لعلوم الفلك والفضاء ممثلاً بالدكتور سليمان بركة والذي أهدى تلسكوبا للجمعية بمناسبة افتتاحها. كان أحدث تلسكوب يصل الوطن في حينها. ومن شدة شغفنا بشؤون الكون ومراقبة السماء قمنا بشراء تلسكوبات شخصية بمبالغ كبيرة من أجل الاستمتاع بمشاهدة السماء ونجومها وكواكبها.
سعيت من خلال الجمعية الى اثارة فضول الآخرين نحو الكون الذي نعيش فيه ويعيش فينا. أردت أن ينظروا إلى السماء ليلا ويستمتعوا بمشاهدة ضوء النجوم. أن أخرج العلم من المختبرات والمحاضرات إلى الأماكن العامة ليصل إلى الناس في كل مكان.
تمكنت من خلال الجمعية من المشاركة بمخيمات محلية في فلسطين. كانت تجربة جديدة ومميزة فقد مكنتني من المشاركة برصد ظواهر فلكية نادرة والالتقاء بشخصيات علمية فذة. كما مكنتني من الاستمتاع بمشاهدة السماء كما لم أرها من قبل. إنها حقاً تجربة رائعة مع ما يرافقها من بعد عن ضجيج الحياة وتلوثها الضوضائي حيث يستمتع المرء بمشاهد السماء والإنصات لصوت الكون وهو يحدثنا.
عملت جاهدة على نقل تلك التجربة التي مررت بها في المخيمات الفلكية إلى ساحة الجامعة وذلك ليعيش الطلبة هذه التجربة التي تعيد للأذهان صفاءها. فقمت من خلال الجمعية بتنظيم أول أمسية فلكية في الجامعة والتي استطعنا من خلالها فتح عيون الحاضرين على كونٍ هم جزء منه. أسعدتني تلك الابتسامات التي رأيتها على وجوه المشاركين بالفعاليات التي قمنا بتنظيمها حيث شاهد الطلبة ما تمت قراءته في الكتب واقعاً أمام أعينهم. واقعاً يستطيعون مشاهدته من خلال التلسكوبات. تلك العيون المتلهفة للنظر بشغف الى السماء. كانت تلك العيون هي الدافع لأكمل مسيرتي في هذا المجال وللقيام بواجبي تجاه وطني وأمتي في نشر العلم ونقله للناس. فقد رأيت أمة متعطشة للعلم ولمن يقودها إليه.
منحتني تجربتي في الجمعية مهارات وخبرات وعمقاً في التفكير ما كنت لأكتسبه من المحاضرات النظرية على الرغم من أهميتها. وإنما من خلال التجربة والمتابعة والاهتمام. أدركت أن قيمة العلم الحقيقية تتمثل بمدى ارتباطها بحياة البشر الواقعية وليس فقط بمعادلات تتداولها الأجيال دون عمل على تنفيذها. فالعلم عبارة عن طرح للأسئلة واستكشاف للعالم والكون في محاولة لإيجاد الأجوبة على الاسئلة الكثيرة التي نراها معقدة أمامنا.
صقلت هذه التجربة شخصيتي وزادت شغفي بدراستي للفيزياء في الكلية فأصبحت أرى في الفيزياء متعة لم أرها في شيء آخر. وأكسبتني مهارات علمية عما يجري حولنا في هذا الكون. مكنتني من التفوق بدراستي والوصول إلى أرقى جامعات أوروبا لاستكمال دراستي في مجال الكونيات. فها أنا على بعد بضعة أسابيع تفصلني عن الانضمام لجامعة السوربون في مدينة باريس الفرنسية. أؤمن بأن هذه الفرصة ليست نهاية مشواري في هذا المجال الذي بدأت به في جامعتي العزيزة. إنما هو البداية للقيام بواجبي وتحملي للمسؤولية العلمية تجاه وطني وأمتي في نشر العلم.