جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


نابلس ـ"القدس" دوت كوم - وفاء أبو ترابي

بهمة وعزيمة عالية، استطاعت الطالبة العشرينية ديانا صالح التغلب على فطرتها الصامتة، وأن تخطو بخطوات واثقة نحو التميز والإبداع في تخصصها الجامعي "فن الخزف"، وتوظيف كل ما أسبغه الله عليها من نِعم الفراسة وسرعة البديهة، لتعوّض فقدان حاستي النطق والسمع لديها، وتصقل ما بجعبتها من مواهب فنية متنوعة.


إعاقة لم تقف أمام طموح الطالبة صالح، من قرية سرطة غرب سلفيت، بل طوعتها لتخوض غمار تحديات عديدة والانخراط مع أقرانها الطلبة في جامعة النجاح الوطنية، التي بدورها أنشأت وحدة رعاية الطلبة ذوي الإعاقة لتهيئ البيئة الملائمة، لإدماجهم بالمجتمع وتقدم لهم الخدمات اللازمة، فيما أمضت ديانا حياتها المدرسية مع زملائها من فئة الصم والبكم الذين اعتادت التواصل معهم بلغة الإشارة المشتركة بينهم.

وتتحدث صالح لـ"القدس" دوت كوم، بلغتها، وإلى جانبها شقيقتها الكبرى ولاء تترجم قائلة: "إنني طالبة الصم والبكم الوحيدة في هذه الجامعة، ومن خلال تجربتي الناجحة رغبت أن أكون المفتاح الذي يشّرع الأبواب أمام غيري من الطلبة من هذه الفئة والذين يرغبون بإكمال تعليمهم".

وواصلت دراستها بتفوق باهر يزداد يوماً بعد يوم، رغم كل الصعوبات التي تواجهها منذ المرحلة الثانوية –وفق شقيقتها ولاء-، إلا أنها تمكنت من اكتساب خبرات عدة في مجال تخصصها، وعملت على تنميتها وتطويرها، وأصبحت تسوّق أعمالها الفنية في مختلف المعارض وبالاشتراك مع مؤسسات مختلفة، ومدربة لغيرها من الطلبة، كما تمثل الجامعة بالعديد من المؤتمرات التي تعقد داخل أو خارج الوطن.

وأضافت صالح: "إنني أريد تعلّم فن الرسم السينمائي عبر اليوتيوب أيضاً، وبالنسبة لي كل ما اكتسبته من مهارات غير كافٍ، لذا يجب أن أبحث وأستكشف أشياء جديدة كل يوم، فلا يوجد حدود للعلم في نظري".

وأعربت صالح عن امتنانها للجامعة التي احتضنتها منذ التحاقها بها من اليوم الأول، وتلبي احتياجاتها من خلال وحدة رعاية الطلبة ذوي الإعاقة، مشيرة إلى تعاون مدرسيها وزملائها بالتخصص أيضاً، ولا تنسى فضل عائلتها التي تقف معها جنباً إلى جنب في كل خطوة تخطوها.

وتأمل بتحقيق أسمى أمنياتها بأن تعمل في هذه الجامعة التي لطالما أحبتها، كمساعد تدريس في كلية الفنون الجميلة، وتتطلع لتحقيق هذه الأمنية بكل شوق لتكون أول مدّرسة من فئة الصم والبكم في الجامعة، فيما ستسعى لاستقطاب طلاب وطالبات من هذه الفئة حتى لا تكون هي الطالبة الأخيرة فيها، معتبرة أن هذه الخطوة نقلة نوعية تضاف إلى إنجازات الجامعة.

مسؤولية مجتمعية

ويقول مدير وحدة رعاية الطلبة ذوي الإعاقة في الجامعة، سامر العقروق لـ"القدس" دوت كوم: "من منطلق مسؤوليتنا المجتمعية، أنشأنا هذه الوحدة لرعاية أكثر من ثلاثمائة طالب وطالبة من ذوي الإعاقة، فيما أصبحت هذه الجامعة الوحيدة والرائدة في تقديم هذه الخدمة لطلبتها من ذوي الهمم، إيماناً منها بضرورة إدماج هذه الفئات مع غيرهم من أفراد المجتمع، وأن تكفل حقهم بالتعليم".

وأشاد بالنجاح الذي حققته الطالبة ديانا صالح على مدار سنوات دراستها لتصل إلى مشارف التخرج، مبيناً الدور الذي تقوم به الوحدة لمساعدة الطلبة في اختيار تخصصاتهم وتسعى لخدمتهم بناءً على القدرات التي يمتلكونها، حيث قال: "نحن نستقبل جميع الحالات التي تريد الالتحاق بالجامعة، ووجدنا أن الطالبة ديانا لديها هواية الرسم وقدراتها تمكنها من التسجيل في برنامج فن الخزف في كلية الفنون الجميلة".

التفاؤل والإصرار رغم الإعاقة

وفي هذا الصدد، تحدث العقروق كذلك عن تجربة الطالبة ياسمين جناجرة (19عاماً)، من قرية طلوزة شرق نابلس، التي تتحدى إعاقتها الحركية بقوة شخصيتها وتفاؤلها بالحياة وإصرارها الدائم على التعلم.

ويلفت إلى أن الجامعة تم تهيئتها بشكل كامل منذ أن تم إنشاء هذه الوحدة، حيث عملت على إيجاد مواءمات لتسهيل الوصول الآمن لذوي الإعاقة إلى الحرم الجامعي ومرافقه، ما ساعد كثيراً في تنقلهم تحديداً ذوي الإعاقة الحركية.

وتقول جناجرة لـ"القدس" دوت كوم: "إن الجامعة اقترحت عليّ برنامج التربية الخاصة، لأنه يتناسب مع حالتي، كما أنني رغبت بأن أتعلمه لأعرف معلومات أكثر عن وضعي بشكل خاص، وعن ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام".

وأضافت: "إنني اجتزت كثيراً من التحديات، لذلك قررت أن أكون ملهمة لغيري من أصحاب الهمم، وأبين لهم من خلال تجربتي أنه لا يوجد فشل في الحياة مهما واجهنا من صعوبات، ولابد لنا أن نحاول بإرادة قوية حتى نصل إلى كل ما نطمح به".

وأعربت الطالبة جناجرة عن حبها الشديد للجامعة لما تلقاه من اهتمام ودعم دائم من قبل زملائها الطلبة والهيئتين الإدارية والأكاديمية، ما يشعرها بأهمية الدور الفعّال الذي تقوم به داخل الجامعة، ويجعلها تقوم بدورها كطالبة مجتهدة على أكمل وجه، كما يدفعها دائماً لتقديم كل ما بوسعها لخدمة غيرها من الطلبة ذوي الإعاقة".

واستطرد العقروق: "إن الإبداع ينفي الإعاقة ويلغيها، لذلك نحن نهتم بأن نجعلهم مبادرين ومنتجين في المجتمع لا عالة عليه، وأن عليهم واجبات كما لهم حقوق، لذلك نعمل على صقل شخصيتهم وتعزيز ثقتهم بذاتهم، ليتمكنوا من اكتشاف قدراتهم وابداعاتهم".

مساهمة غير محدودة

وتساهم هذه الوحدة في إشراكهم بالعديد من الأنشطة الطلابية داخل الجامعة –بحسب العقروق- كالمعارض والأنشطة الرياضية، وبعضهم انضم للكورال التابع لعمادة شؤون الطلبة، ومنهم من تميزوا بمواهب العزف والغناء، كما يشارك كثير منهم بالدورات والمؤتمرات التي تعقد داخل الجامعة أو خارجها.

ويدعو العقروق إلى ضرورة إسناد الطلبة ذوي الإعاقة مادياً ومعنوياً، وإنشاء وحدات خاصة بهم في جميع مؤسسات التعليم العالي؛ إضافة إلى تعزيز إدماج هؤلاء الطلبة في الحياة الجامعية، وتنفيذ أنشطة إرشادية وتوعوية لهم والاهتمام بواقعهم في مختلف الجامعات الفلسطينية.

ويُذكر أن هذه الوحدة أنشأتها الجامعة عام 2008، وقد تمكنت من استقطاب العديد من الطلبة ذوي الإعاقة بعد جهود مشتركة مع الهيئات المحلية والمدراس في مختلف المناطق ومحافظات الوطن، والعمل على توعية الأهل وتعريف هذه الفئات بحقوقهم وتقديم المنح الدراسية لهم؛ إضافة إلى تهيئة البيئة المناسبة لهم داخل الجامعة وتلبية جميع احتياجاتهم.


Read 357 times

© 2024 جامعة النجاح الوطنية