جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


تقرير: محمد جودالله _ دائرة العلاقات العامةّ

لم تعجبني الفكرة في البداية، لماذا أقضي عطلتي الأسبوعية في ‏مخيم للتعايش؟ ما الفائدة؟ ما الجديد؟ خطرت تلك الأسئلة في ‏بالي عندما دعاني زملائي في الدائرة للذهاب معهم إلى مخيم ‏التعايش مع قوات الأمن الوطني، كانت قد أعلنت الدائرة للطلبة في ‏الجامعة في وقت سابق عن المخيم ومررت على الإعلان دون ‏إهتمام..لم أكن أعلم أن ذلك الإعلان سيأخذني إلى تجربة ستبقى ‏خالدة في ذهني لبقية حياتي.‏


بعد تشجيع الزملاء وافقت على الذهاب، إنطلقنا من باب الجامعة ‏برفقة الطلبة المشاركين في المخيم إلى معسكر النويعمة في ‏محافظة أريحا (أكبر معسكر للأمن الوطني في فلسطين) وفي ‏سيارات عسكرية، لنعيش التجربة العسكرية منذ البداية.‏

عند دخولي المعسكر شعرت فعليّاً ببدأ حياتي العسكرية بتلقي ‏أول أمر عسكري بالنزول من المركبة والإصطفاف، التوجه إلى "غرفة ‏اللوجستيات" كما تسمى هناك، وأخذ البدلة العسكرية المحضّرة ‏مسبقاً وفقاً للإسم، التوجه للمنامات وحجز سرير، تبديل اللبس ‏المدني وإرتداء اللبس العسكري، التجمع بالساحة لبدء التدريبات، ‏لم يخطر ببالي سوى ذلك الإنضباط الشديد الذي وللأسف نفتقده ‏في حياتنا اليومية، إرتداء البدلة العسكرية يمنحك مشاعر لا إرادية ‏ولكنها سامية بالفخر والمسؤولية والإعتزاز.‏

تلك البدلة لا تمنحك الشعور بالفخر فقط بل الشعور بالمساواة مع ‏جميع المشاركين في الدورة ومن مختلف الفئات العمرية ‏والإجتماعية، يُعرّف المدرب عن نفسه ويبدأ التدريب، في التدريب ‏تختلط المشاعر، بين شعورٍ بالتعب والجديّة والمسؤولية والإنضباط ‏تنسى أي شعور روتيني شعرت فيه من قبل في حياتك، ورغم ‏إختلاط المشاعر يطغى ذلك الشعور الجميل بأنك تعيش تجربة ‏جديدة وفريدة.‏

لم أفهم معنى كلمة التعايش رغم أنّي صحفي ورغم أنّي سمعتها ‏من قبل مراراً، لم أفهمها فعلاً إلى حين جاء وقت العشاء، توجهنا ‏إلى قاعة الطعام بالمشية العسكرية، وقفنا في نظام، كل إثنين ‏يأكلان معاً وفي صحنٍ واحد، أكلنا رفقة المدربين والضباط والعساكر، ‏سكبوا لنا من نفس القدر وجلسوا معنا على نفس الطاولة، لم يكن ‏الطعام فاخراً ولكنه من أطيب ما أكلت في حياتي، لأني في تلك ‏اللحظة بالذات أدركت معنى التعايش...التعايش مع قوات الأمن ‏الوطني.‏

أما التدريب ورغم أنه كان أخف بكثير من ذلك التدريب الذي يُعطى ‏للعساكر الفعليين، إلا أنه لم يكن سهلاً وإتسم بالجدية الكافية ‏لتشعر بأنك عسكري فعلاً وإن كان لأيام، تعلمنا المشية العسكرية ‏الصحيحة ومشيناها مسافة كافية لأن نتذكرها لبقية حياتنا، كما ‏تعلمنا على الجلسة العسكرية والصف العسكري بكافة أشكاله.‏

بالنسبة للمدني فإن الليل يعني النوم والراحة ولكن ليس ‏للعسكري، بالنسبة للعسكري فإن الليل يعني المسير، وبما أنك ‏عسكري يتم تجهيزك للمسير الليلي بلبس مكون من خوذة وجعبة ‏وسلاح (وإن كان خشبياً إلا أنه لا يقلل من جدّية وجمال التجربة ‏بشيء)، غادرنا المعسكر بصفين متوازيين لنسير بين الجبال لا ‏يضيء طريقنا إلا القمر، المسير إتسم بالجديّة والصرامة لدى ‏المدربين الذين لم يقبلوا أي خطأ لأن أي خطأ يعني الخطر على ‏باقي المجموعة على أرض الواقع، في الأمام دورية الأمان وفي ‏الخلف سيارة الإسعاف تحسباً لأي حدث، سرنا لقرابة الخمسة ‏كيلومترات بين الجبال وفي الطريق الوعرة، كان المسير متعباً ‏ومجهداً ولكنه جميل.‏

التدريبات الأخرى لم تقل أهمية عما سبقها، في اليوم الثاني كان ‏هناك الإنزال من إرتفاع 12 متراً، رغم أنه تدريب إختياري يُمكن ‏التخلف عنه، إلا أنّه لشخص يعاني من رهبة المرتفعات مثلي كان ‏فرصة لا تعوض لكسر حاجز الخوف، قُمت بالإنزال ورغم الخوف الذي ‏شعرتُ به أثناء النزول إلا أني شعرتُ ولأول مرة في حياتي بالنصر ‏في معركتي مع المرتفعات.‏

الرماية كانت تدريب آخر من التدريبات كما قمنا بالتعرف على ‏السلاح بأجزائه المختلفة، والزحف وإن كان لمسافات ليست ‏بالطويلة كان جزءاً من التدريبات، تناول الوجبات الثلاث وأداء الصلاة ‏في موعدها كانت جزءاً لا يتجزء من برنامجنا العسكري، والنوم ‏لساعاتٍ قليلة كان لا بد منه حتى ندرك معنى عبارة ( العين ‏الساهرة على أمن الوطن).‏

لم يقتصر المخيم على التدريبات بل تضمن الزيارات، حيث قُمنا ‏بزيارة معسكر تدريبات الأمن الوطني المشهور بعبارة (أهلاً وسهلاً ‏بكم في مصنع الرجال)، وفي تجربتي هذه أدركت فعلاً أنه مصنعٌ ‏للرجال..رجال فلسطين.‏

كما قمنا بزيارة لوحدة الكلاب البوليسية أو ما تُعرف ب(‏K9‏)، وفيها ‏تعرفنا على الكلاب البوليسية وما تقوم به من أدوار في عمليات ‏البحث عن المخدرات والأسلحة عند الخارجين عن القانون، وفي كل ‏زيارة كنا نركب المركبات العسكرية من الخلف لنشعر بالهواء، هواؤنا ‏كان عليلاً، ليس كالهواء الذي يشعر به العسكري في أيام الصيف ‏الحارقة وفي ليالي الشتاء الباردة.‏

أهم ما ميّز المخيم تلك العلاقة الفريدة والجميلة التي ربطتنا ‏بالمدربين والضباط والعساكر، وتجلت تلك العلاقة في الحفل ‏الموسيقي الذي قدّمته الفرقة الموسيقية وفرقة الدبكة التابعتان ‏لقوات الأمن الوطني الفلسطيني، حفلٌ أُقيم على شرفنا ‏كمشاركين في المخيم وفي ليلة اليوم الذي سنرحل فيه مع نهاية ‏المخيم.‏

تجربة الطلبة المشاركين من جامعة النجاح الوطنية لم تقل أهمية أو ‏تميّز عن تجربتي في المخيم، فعند سؤالي لبعض الطلبة ‏المشاركين عن تجربتهم، رأى الطالب سليم أبو ضهير، قسم ‏حاسوب، أن تجربته في مخيم التعايش زادت من حبه للوطن ‏وقلّصت من الفجوة بين العسكري والمدني وأنه يشارك للمرة ‏الثانية في مخيم التعايش بالأمن الوطني لأنه يرى في هذا المخيم ‏تجربة فريدة بامتياز، وتصف الطالبة صبرين عزريل، قسم إذاعة ‏وتلفزيون، تجربتها في مخيم التعايش بأنها تجربة جميلة بكافة ‏تفاصيلها وأن كل ما في المخيم جديد بالنسبة لها متمنيةً تكرار ‏التجربة في المستقبل، في حين يوضح الطالب أشرف شديد، قسم ‏الهندسة المدنية، أنه شارك في مخيم التعايش ليعيش تجربة ‏جديدة وليتعرف على حياة العسكري وما يمر به من ظروف في ‏مواجهة التحدّيات المختلفة، مشيراً إلى أنه لم يقم من قبل ‏بتدريبات كالتدريبات التي خضع لها في مخيم التعايش ولكنه ‏إستمتع بالتجربة.‏

رغم أني عشت حياة العسكرية لثلاثة أيام فقط، إلا أن ما اكتسبته ‏في تلك الأيام لا يمكن أن أنساه لسنوات، الإنضباط سأبني عليه ‏حياتي بكافة جوانبها، وسأرفع قبعتي إحتراماً لكل عسكري ‏فلسطيني يدافع عن وطنه، أدركت معنى العسكرية واقتنعت أن ‏وطني لديه من يحميه ويحرسه، سأرويها مراراً وتكراراً تجربتي في ‏مخيم التعايش مع قوات الأمن الوطني لأنها باختصار تجربةٌ لا ‏تنسى.‏


Read 2832 times

© 2024 جامعة النجاح الوطنية