جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


أنهى مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث في جامعة النجاح الوطنية أنشطة حزمة الأعمال الثانية من مشروع مدن الغد الدولي، واشتملت أنشطة هذه المحطة على لقاءات مع الشركاء الدوليين عن بعد عبر منصة زوم، وكذلك ورشة عمل وجاهية بحضور الفريق الدولي لغرض تدريب الفريق المحلي من المخططين والميسرين والمدونين والخبراء العاملين على المشروع، ومن ثم أيام عمل تنفيذية حول تطوير الخرائط ومناقشة السياسات وذلك بحضور ممثلي قطاعات المجتمع المحلي الفلسطيني.


حول منظومة مدن الغد 

وقال البروفيسور جلال الدبيك رئيس الفريق الفلسطيني في مشروع مدن الغد ومدير مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث: "إن منظومة مدن الغد تتعلق بتخطيط المناطق الفارغة المخصصة للتوسع المستقبلي في المدن والبلدات بحيث تخضع لمعايير معينة للحد من مخاطر الكوارث، وذلك لتجنب الأخطار المستقبلية المحتملة وعدم تكرار أخطاء الماضي، ورسم سيناريوهات حول ما يمكن أن يحصل بعد 30 سنة في حال استمر تطور المدن كما هو عليه أو إذا تم اتباع سياسات ومعايير جديدة، مؤكداً أن ما يقرره المجتمع الفلسطيني اليوم سينعكس مستقبلاً على أبنائه، إن كان جيداً فبخير وإن كان سيئاً فبِسوء. 

وأوضح الدبيك أن هذا العمل هو تخطيط تشاركي؛ إذ يتم بالشراكة مع ممثلي شرائح واسعة من المجتمع المحلي مثل الشباب والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الدخول المحدودة والمنخفضة وسكان المباني المرتفعة ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات ذات العلاقة والبلديات والحكومة ووسائل الإعلام بهدف إدارة مخاطر الكوارث المستقبلية، وبيّن أن هناك جملة من الإجراءات التي يمكن تنفيذها على أرض الواقع والتي لا تتأثر بمعيقات اقتصادية أو سياسية إنما تحتاج إلى اتخاذ قرار وتكاثف جهود الجميع، وذلك ضمن الإمكانات المتاحة وبشكل تدريجي، وأن الأوان لم يفت إذا وجدت الإرادة والعزيمة، مؤكداً أن المسألة ليست مجرد حلم نظري أو بحث علمي بحت، إنما هي إجراءات وسياسات ورؤية تشاركية موضوعية قابلة للتنفيذ على الأرض، وأن هناك حاجة لتشكيل تجمع ضغط وتأثير أمام المؤسسات الرسمية لجعل المخرجات والتوصيات التي يصل إليها هذا المشروع الوطني الكبير من ضمن أولوياتها. وختم الدبيك بقوله: "نحن شخّصنا المرض، ونقوم بوصف العلاج اللازم، وما لم يتم الالتزام بالوصفة اللازمة فإن الحالة ستسوء والمرض سيتفشى وستدفع أجيالنا القادمة ثمن ما نفعله اليوم وما فعلناه في الماضي." 

الفريق الدولي

وقد حضر إلى فلسطين من الفريق الدولي لمنظمة مدن الغد الدكتورة ثايزا كوميلي قائدة العلوم الاجتماعية في منظمة مدن الغد، والدكتور التركي أمين يحيى مينتيشيه قائد التخطيط الحضري وسيناريوهات الرؤى المستقبلية في المنظمة. وقالت الدكتورة كوميلي: "نحن هنا اليوم لتدريب الفريق الفلسطيني حول منهجية التحقق وفاعلية الأعمال، لتدريب المخططين والميسرين ليضعوا أنفسهم مكان المشاركين؛ ففي ورشة العمل الأولى تحدثنا حول الرؤى المستقبلية، وكانت تتعلق بفهم توقعات الناس حول المستقبل، وقد تمت ترجمة تلك التوقعات إلى خارطة رقمية لاستخدامات الأراضي وكذلك مجموعة من السياسات والتي تمت مواءمتها قليلاً لتنسجم مع القوانين الفلسطينية ومع التطور المستقبلي المنطقي مثل أعداد السكان. وفي الورشة الثانية يتم عرض الخرائط على عينات تمثيلية من المشاركين الذين حضروا الورشة الأولى ويتم سؤالهم: (هل تريدون تغيير شيء ما؟ هل هذا يلاقي تطلعاتكم؟) وبناء عليه يتم تطوير الخرائط والسياسات."

فيما قال الخبير مينتيشيه إن هذا التدريب يهدف إلى ضمان جودة العمل وتخيل ما سيحدث في ورشة العمل الحقيقية، وأشار بأن المنهجية هي نفسها لجميع المدن المشاركة حول العالم لكن تبقى بعض الخصوصيات لكل مدينة، وأشار بأن دور المخططين والميسرين هو تبسيط فهم الخريطة لدى المشاركين من حيث الأرقام والألوان وكيف تمت ترجمة رؤاهم إلى هذه الخريطة. وأوضح أن من أهم الأشياء التي يجب التحقق منها هي أن ممثلي المجموعات المجتمعية يشعرون أنهم يمتلكون هذه المخططات وأنها قد جاءت منهم وليس من خبراء فرضوها عليهم، وبالتالي فإن عليهم هم أن يدافعوا عنها أمام البلديات والهيئات المختصة. وأضاف مينتيشيه بقوله: "إن الفريق الفلسطيني لديه قدرات فنية وتقنية لا تقل عن القدرات العالمية، وأن لديه درجة عالية من الالتزام، وأن المجتمع الفلسطيني واعٍ ومتفهم، وهذه فرصة يمكن البناء عليها مستقبلاً لدى صانع القرار الفلسطيني، وهذا سيشكل دفعة لمشروع مدن الغد لينتشر في مدن أخرى." 

التحقق، النمذجة والمحاكاة

كما تحدث في الورشة الدكتور جمال الدبيك خبير النمذجة الرقمية والمحاكاة في المشروع ومنسق "نابلس الغد"، وأشار بأن حزمة الأعمال في هذه المرحلة تتكون من محطتين هما: الأولى هي مراجعة ومناقشة مخططات استخدامات الأراضي التي خرجت عن ورشة العمل الأولى وذلك بنسختين، واحدة من المجتمع والثانية من المخططين بعد أن تمت مواءمة الخرائط التي خرجت عن المجتمع وفقاً للمعايير الفلسطينية دون إجراء تغييرات محورية، ولهذا الغرض تم تدريب الفريق الفلسطيني على منهجية العمل من حيث طريقة عرض المخططات والتأكد أن المخططين قد قاموا بفهم المواطنين بشكل صحيح وعكسوا ذلك في الخرائط وأن يتأكد المخطط من أن النتائج لا تتعارض مع الرؤية المقترحة من قبل المجتمع. والثانية هي مناقشة السياسات، وتم خلالها عرض أحد السيناريوهات لنمذجة المباني (نابلس عام 2050)، وخلال مناقشة السياسات تكون الخرائط حاضرة لرؤية وجود ترابط بين السياسات والخريطة حيثما وجد ترابط، وفي الوقت نفسه يتم إلقاء الضوء على تأثير المخاطر المحتملة مثل: الزلازل والانزلاقات الأرضية والعواصف والثلوج والسيول أو الفيضانات، فعلى سبيل المثال: هل انزلاق الشارع الفلاني يؤثر على حركة الوصول والنقل في تلك المنطقة، وهكذا.

وأضاف جمال الدبيك بالقول: "نحن هنا للتحقق من ترجمة الرؤية التي رسمها المجتمع في الحزمة الأولى، حيث أخذنا مخرجات ممثلي المجتمع وحللناها بواسطة خبراء ومختصين، وقمنا بتحويلها من رسومات واسكتشات أولية إلى خرائط وفقاً لمعايير التخطيط الفلسطيني، وأجرينا تعديلات منطقية طفيفة حيثما يلزم، فمثلاً افترض ممثلو المجتمع مساحات سكنية أو خضراء أو صناعية أو تجارية معينة يرون أنها تلزم بعد ثلاثين عاماً، لكن الخبراء قاموا بالتحقق من عدد السكان المتوقع لنابلس بعد ثلاثين عاماً وتم حساب المساحات اللازمة فعلاً ومواءمة المساحة حسب المعايير. وقد تمت رقمنة الخرائط اليدوية إلى نسخ إلكترونية باستخدام برامج حاسوبية عالمية خاصة بهذا الشأن، ومن ثم تم عرضها على السكان ممثلي شرائح المجتمع لإضافة أي تعديلات يرونها من جهة، وللتأكد أن تحليلات الخبراء تتطابق مع توقعات السكان ولا تتعارض معها من جهة أخرى."

وقدّم الدبيك شرحاً مفصلاً حول عملية النمذجة؛ حيث أوضح بأنه "تم عمل سيناريو مجسم بالحاسوب حول التوسع المستقبلي لنابلس يبين توزيع المباني جغرافياً باستخداماتها المختلفة حسب الرؤى التي ولدت في حزمة الأعمال الأولى، ويشتمل على معلومات تفصيلية عن المباني مثل عدد الطوابق والنظام الإنشائي والمساحة وعدد السكان وتوزيع السكان من أطفال ورجال ونساء وأحوالهم المعيشية، كل تلك البيانات مبنية على مراجع علمية ومعلومات إحصائية تمثل منطقة نابلس وخصائصها الديموغرافية باستخدام عدة برامج مثل (نظم المعلومات الجغرافية، ولغة البرمجة بايثون وغيرها)، وأصبح لدينا خرائط معلومات كاملة عن كل منطقة وكل مبنى."

الوقاية خيرٌ من العلاج

المهندس كريم الجوهري وهو باحث وطالب دكتوراه في هندسة الزلازل بكلية لندن الجامعية وخبير نمذجة الكوارث ويعمل ضمن الفريق الدولي، يقول: "إن خلاصة الحديث هي النظر إلى المستقبل والتفكير كيف ستكون نابلس عمرانياً حينذاك، نريد ضمان أن يكون التوسع الحضري كما يطمح الناس لا سيما أبناء الجيل الجديد. نحن من خلال مشروع مدن الغد نتبع منهجية جديدة في العالم، ونابلس هي أول مدينة عربية تسير على خطى اتباع هذه المنهجية، حيث تبدأ عملية التخطيط من عند فئات المجتمع وليس من عند الخبراء والمخططين، وبناء على رؤى وتخيلات الفئات المجتمعية يتم بناء الخرائط المستقبلية وتُبنى السياسات التي يجب اتباعها في تلك التجمعات الجديدة وفقاً لاحتياجات ورغبات السكان. ومن الأمثلة التي يمكن الحديث عنها حول السياسات يمكن ذكر أنظمة تصميم المباني المقاومة للزلازل، فكيف يمكن تشجيع الناس على تطبيقها، وكذلك استخدام المواد صديقة البيئة في عمليات البناء والإنشاء، وتوفير مناطق خضراء كافية، وضمان استخدام الأراضي كما هي مخططة دون تغيير. إن العملية برمتها هي عملية تخطيط كاملة للأراضي والبنى التحتية لكن بمراعاة معايير الحد من مخاطر الكوارث، وهذا يندرج تحت ما يعرف بالإدارة الاستباقية لمخاطر الكوارث، بينما في الطريقة الكلاسيكية في التخطيط أو في تخطيط المناطق القائمة تتم دراسة استجابة تلك المنشآت والمناطق في حالة حدوث كارثة، وهنا القدرة على التغيير والتدخل تكون محدودة، في حين أن التغيير قبل أن تقوم المباني على الأرض هو أفضل بالتأكيد، وهذا الأمر يتم على المخططات والسياسات المتعلقة بالمناطق التي لم تبنى بعد."

زوايا من منظور المخططين الحضريين

الدكتور علي عبد الحميد مدير وحدة التخطيط الحضري والإقليمي في جامعة النجاح، وعضو هيئة التدريس في قسم هندسة التخطيط وتكنولوجيا المدن، والخبير في تخطيط وسياسات المدن قال: "إن أهمية هذا المشروع تكمن في أنه وإن كان يراعي بشكل كبير مسألة الحد من مخاطر الكوارث المحتملة كالزلازل والفيضانات والانزلاقات الأرضية، إلا أنه يأخذ بعين الاعتبار عند تخطيط مناطق جديدة من المدن الفلسطينية عدة أمور مثل الفئات المجتمعية المهمشة لا سيما ذوي الدخل المحدود والدخل المنخفض من حيث ضرورة توفير احتياجاتهم الأساسية كالسكن والخدمات والمرافق وضمان تحققها وسهولة الوصول إليها، بحيث يكون توزيع الاستخدامات المختلفة للأراضي بما يتلاءم مع تلك المحددات. 

وعند سؤاله فيما إذا كانت المناطق القائمة تعاني من مشكلات تستدعي التفكير بطرق تخطيط جديدة قال عبد الحميد: "نعم، المناطق القائمة تعاني من عدة مشكلات من منظور المخططين مثل الكثافة السكانية، أو وجود مناطق سكنية لا تتوفر بها الخدمات كالحدائق والمراكز الصحية أو توجد لكنها صعبة الوصول، وكذلك معايير البناء غير فعالة وكذلك ارتفاعات  المباني، فعلى سبيل المثال معظم المناطق الفلسطينية نسبة المناطق الخضراء فيها لا تتجاوز 1% من مساحة الحيز الكلي علماً أن المعايير العالمية تشير إلى ضرورة وجود 5% على الأقل من حيز المساحة الحضرية، وفي نابلس بالكاد تصل هذه النسبة إلى 1% بل أقل من ذلك، وهذا ينعكس سلباً على السكان من نواحي جمالية وبصرية ونفسية وصحية والراحة والحد من التلوث ونسبة الأمراض، وعلى ذلك قِس".

قصة دخول فلسطين إلى مدن الغد، والمحطات القادمة

وقال المهندس محمد جهاد دويكات منسق التواصل والمعلومات في مشروع مدن الغد إن هذا المشروع يعكس أهمية التعاون بين جامعة النجاح كمؤسسة أكاديمية والمؤسسات المحلية والدولية، ويُبقي فلسطين على اطلاع دائم بأحدث العلوم والتوجهات العالمية، وأشار بأن حزمة الأعمال الثانية شكّلت فرصة لدمج مجموعة من المتطوعين والمتدربين والخريجين الجدد في أنشطة المشروع. وذكّر بأن نابلس كانت قد انضمت كـأول مدينة عربية لمنظومة مدن الغد في شهر أيار من العام 2023 خلال حفلٍ رسمي حضره شخصيات رفيعة وممثلون من المجتمع المحلي والشركاء الدوليين، وقد دخلت بذلك فلسطين إلى تلك المنظمة من بوابة جامعة النجاح الوطنية بنابلس. ونوّه بأن منظومة مدن الغد انطلقت قبل ثلاث سنوات بأربعة مدن هي: إسطنبول في تركيا، وكيتو عاصمة الإكوادور، ونيروبي عاصمة كينيا، وكاثماندو عاصمة نيبال، ثم انضمت نابلس في فلسطين، تلتها رابتي في نيبال أيضاً، وأوضح أن نابلس تضمنت كبداية دراسية شركاء عمل هم بلدية نابلس وبلدية صرة، وسيتسع العمل مستقبلاً ليضم مدن وتجمعات أخرى.

وتجدر الإشارة بأن انضمام نابلس- فلسطين إلى منظومة مدن الغد جاء بعد تحقق عدة شروط ومعايير؛ ومن بين ذلك الإجابة على عدة أسئلة مثل: (هل تتعرض المدينة لمخاطر؟ هل توجد عملية تخطيط حضري في المدينة؟ هل توجد فئات مهمشة؟ هل يوجد ظلم حضري؟ هل هناك تحديات مثل كوارث محتملة؟ هل تتواءم استراتيجيات البلديات وهيئات الحكم المحلي مع استراتيجيات مدن الغد؟) حيث تم فحص كل شيء وبرهنته، فمثلاً تم فحص الخطة الاستراتيجية لبلدية نابلس وتبين أنها تأخذ بعين الاعتبار إدارة المخاطر والكوارث، وغيرها من معايير، إذ بغير تلك الشروط ولولا جهود الفريق المحلي وتوثيق هذه المدخلات، ما كان لنابلس أن تدخل إلى تلك المنظومة.

ومشروع مدن الغد في مرحلته الأولى لعام 2023 يتكون من عدة حزم من الأعمال، وفي كل حزمة يتم تنفيذ عدة أنشطة مثل بناء قدرات الفريق الفلسطيني، وإعداد خرائط ونمذجة مناطق، وهي حزم متسلسلة يعتمد بعضها على البعض الآخر؛ ففي حزمة الأعمال الأولى تم تحديد الرؤى المستقبلية للسكان، وفي الثانية تم التحقق منها وتطوير الخرائط المتعلقة بها والسياسات، وفي الثالثة ستتم نمذجة المخاطر المحتملة وآثارها، وفي الرابعة تحديد مستوى المخاطر المقبولة، ومن ثم سلسلة من عمليات وسيناريوهات مستقبلية تحد من مخاطر الكوارث مترجمة في هيئة خرائط وسياسات وإجراءات عمل مدروسة ومصممة وفقاً لأسس علمية. وتنتهي المرحلة الأولى من مشروع مدن الغد بنهاية عام 2023، حيث سيكون المخرج النهائي عبارة عن عينة حقيقية ومنهجية عمل يمكن تكرارها وتطبيقها لتخطيط توسع أي تجمع سكني في فلسطين. وتطمح جامعة النجاح الوطنية أن تقود عملية نقل تجربة نابلس-فلسطين إلى سائر الدول والمدن العربية.


Read 631 times

© 2024 جامعة النجاح الوطنية