جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


د. جلال الدبيك/ مدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح الوطنية ونائب رئيس الهيئة الوطنية للتخفيف من أخطار الكوارث
ملاجظة: المقال منشور في موقع الجزيرة نت

توقع حصول الزلازل:
يستند الخبراء في توقعاتهم لاحتمال حصول زلازل في المستقبل على عدد من العوامل، أهمها: موقع المنطقة وجيولوجيتها، ومواقع الصدوع الموجودة وأشكالها، وتاريخ المنطقة الزلزالي، والمراكز السطحية لهذه الزلازل، بالإضافة الى النشاطات الزلزالية التي تسجلها محطات وأجهزة رصد الزلازل. فاحتمال حصول زلزال في المستقبل يستند لعلم احتمالي، ولا يمكن، من خلال هذه العوامل، تحديد ساعة أو لحظة حصول الزلزال، لذلك عندما يتحدث المتخصصون عن احتمال حصول زلازل قوية في المستقبل، فهذا يعني أنه قد يحصل الآن أو  بعد ساعة أو بعد يوم، أو أسبوع، أو شهر، أو سنة، أو عشرات السنوات. فالزلازل ظاهرة كونية طبيعية لا يعلم لحظة حدوثها بالضبط إلا عالم الغيب"الله سبحانه وتعالى"، ولا يمكن منعها، ولكن يمكن التخفيف من مخاطرها من خلال اتخاذ الإجراءات المناسبة على كافة الأصعدة و المستويات.

قوة زلزال هايتي 12-1-2010 وقوة الزلازل المتوقع أن تتعرض لها المنطقة العربية:
تعرضت هايتي لزلزال مدمر بلغت قوته حسب مقياس ريختر 7.1 (سبعه وعشر درجة)، وكان مركز الزلزال السطحي على بعد 20 كيلومتر جنوب غرب عاصمة هايتي، علماً أن هايتي قد تعرضت لزلازل في الأعوام 1750 و1771 وأدت هذه الزلازل إلى تدمير العاصمة، وفي العام 1984 تعرضت هايتي لزلزال بلغت درجته 6.7 حسب مقياس ريختر، وخلال شهري آب وأيلول من العام 2008 تعرضت لعدد كبير من الزلازل الخفيفة (4 درجات تقريباً).

وبالنسبة لقوة الزلازل المتوقع حدوثها في الدول العربية، أظهرت الدراسات التي أجرتها المؤسسات العلمية ذات العلاقة، أن أقصى درجة للزلازل المحتمل حدوثها في المنطقة العربية، من المتوقع أن تتراوح من ست الى سبع درجات حسب مقياس ريختر (معتدلة الى قوية)، ويمكن للمباني والبنى التحتية إذا صممت ونفذت وفقاً لمتطلبات الحد الأدنى للمباني المقاومة للزلازل أن تقاوم هذه الدرجة، وهذا يمكن تحقيقه بسهولة. اما الزمن الدوري لتكرار حصول الزلازل فيتخلف من منطقة الى اخرى، وحتى في المنطقة الواحدة يوجد عدة بؤر (مراكز) زلزالية ولكل بؤرة زمن دوري لحصول الزلازل فيها، وعموماً يتراوح زمن تكرار الزلازل في هذه البؤر من عشرات السنوات الى مئات السنوات، فمثلاً الزلازل القوية نسبياً والتي يكون مركزها في منطقة البحر الميت  يتكرر حصولها كل 80 أو 100 سنه، وأخر مرة حصل زلزال في هذه المنطقة وكان تأثيره مدمراً كان في العام 1927.  في حين يتكرر حصول الزلازل لأحد البؤر الزلزالية القريبة من الحدود الفلسطينية والاردنية والسورية واللبنانية كل 200 او 250 عام، وقد تصل القوة القصوى للزلازل التي قد تحدث في هذه البؤرة الى 7 درجات حسب مقياس ريختر، علماُ ان آخر مرة حصل زلزال قوي في هذه المنطقة كان عام 1759، وكان تأثيره مدمراً، حيث أدى إلى مقتل 40 ألف شخص. ولأخذ فكرة حول الزلازل التاريخة المدمرة التي تعرضت لها الدول العربية، نستعرض تواريخ الزلازل التالية:
-1202 -1068-1212-1339-1402-1546-1656-1666 - 1716- 1731 - 1757-1759 - 1790-1834-1837 -1847-1853-1854-1859 -1865-1869 -1872-1873-1896-1900-1903 – 1909 -1917-1923-1927-1941-1946-1954 -1955-1965-1969-1981-1982-1991-1992-1995 -2003-2004.

فبعض الزلازل المشار اليها اعلاه كان مركزها في دول المغرب العربي، وجزء منها كانت مراكزها في منطقة حفرة الانهدام،  وهي المنطقة الممتدة من البحر الاحمر مروراً بالبحر الميت ووصولاً الى انطاكيا، وبشكل عام تعرضت معظم الدول العربية لزلازل كان بعضها مدمراً. والمشكلة الحقيقية، لا تكمن في الزلزال نفسه، "فالزلزال لا يقتل، وما يفعل ذلك هو المباني أو الحرائق والانزلاقات التي تثيرها الزلازل"، بل تكمن في عدم جاهزية المباني ومنشاَت البنى التحتيه لمقاومة الزلازل، وكذلك عدم وجود إدارة فعالة لإدا رة الكوارث وإسناد الطوارئ، بالإضافة الى عدم معرفة الإنسان العربي بشكل عام لمفاهيم وإجراءات التهيئة والاستعداد للكوارث.

لماذا تختلف الخسائر من دولة إلى أخرى رغم أنها تعرضت لنفس الدرجة الزلزالية:
بشكل عام تعتمد شدة تأثير الزلازل على عدد من العوامل، أهمها:

  • مقدار (قوة) الزلزال، بمعنى مقدار درجته حسب مقياس ريختر، فكلما زاد درجة قوة الزلزال يزداد تأثيره على المنشاَت والبنى التحتية، علماً أن زيادة درجة واحدة حسب مقياس ريختر تؤدي إلى زيادة  السعة بعشرة أضعاف، أي أن الحركة الاهتزازية لزلزال قوته 7 درجات تكون اكبر بعشرة أضعاف من الحركات الاهتزازية التي يحدثها زلزال قوته 6 درجات وذلك إذا تم تسجيل هذه الحركات في نفس المكان، أي أن العلاقة في تدرج الدرجات هي علاقة لوغاريتمية. وفي نفس الوقت زيادة درجة واحدة في المقياس تعني زيادة 30 او 32 ضعف في الطاقة، وهذا يعني أن الطاقة التي تنبثق من زلزال قوته 7 درجات اكبر ب 30 ضعف تقريباً من الطاقة التي تنبثق من زلزال قوته 6 درجات.
  • العمق البؤري، لنفس درجة قوة الزلزال، تكون مراكز الزلازل الأقل عمقاً أكثر تأثيراً، فاحد أسباب زيادة الخسائر في زلزال هايتي هو وجود المركز الجوفي قرب سطح الأرض، فقد كان على عمق 10 كيلومتر أسفل سطح الأرض. أما فيما يتعلق بعمق المراكز الجوفية للزلازل المتوقع حصولها في الدول العربية "لا سمح الله"، فيتوقع أن تتراوح بين 10 إلى 25 كيلومتر، بمعنى ستكون مراكزها سطحية قليلة العمق.
  • بعد المركز السطحي للزلزال عن المناطق السكانية المأهولة بالسكان، ففي زلزال هايتي يبتعد المركز السطحي للزلزال بمقدار 20 كيلومتر عن العاصمة، في حين كانت بعض المدن والتجمعات السكانية على بعد كيلومترات قليلة من المركز السطحي للزلزال. ومن خلال الاطلاع على الخرائط الزلزالية للمنطقة العربية يتضح ان العديد من المدن والتجمعات السكانية تقع بالقرب من مراكز الزلازل.
  • طبيعة المنطقة الجيولوجية ونظام الصدوع الأرضية الموجود في المنطقة المتأثرة.
  • طبيعة الموقع ونوعية التربة، فالمباني المقامة على التربة الطينية والتربة الرملية تتأثر بالزلازل أكثر من تلك المقامة على التربة الصخرية القوية، وبشرط أن لا تكون التربة الصخرية قابلة لحصول الانزلاقات (تنويه: المناطق الجبلية المنحدرة أو عالية الانحدار والتي تتكون تربتها من الصخر الحوري او الكلسي، يحتمل أن تتعرض للانزلاقات الأرضية في حالة تعرضها للهزات الأرضية).
  • نوعية وجودة البناء في المناطق المتأثرة، ومدى التزام المهندس المصمم والمنفذ بمتطلبات المباني المقاومة للزلازل. وقد لوحظ من خلال أشكال انهيارات المباني في هايتي والتي ظهرت من التقارير الأولية أن هذه المباني لا يتوفر فيها متطلبات المباني المقاومة للزلازل، ومما يؤكد ذلك حصول انهيارات كبيرة جداً في المباني العامة والمنشاَت الحيوية، كالمستشفيات والمدارس ومباني الحكومة ومباني الاتصالات وشبكات الكهرباء والماء والمواصلات. أما بخصوص أنماط المباني العادية والعامة الدارجة في الدول العربية ، فقد أظهرت الدراسات أن قابلية إصابتها الزلزالية مرتفعة.

جاهزية المباني وقدرات المؤسسات العربية على مواجهة أفعال الزلازل:
أظهرت الدراسات ان العديد من المباني ومنشاَت البنى التحتية في معظم الدول العربية، غير مؤهلة لمقاومة الزلازل، اي ان هناك احتمال لحدوث أضرار وانهيارات كلية وجزئية في حالة "لا سمح الله" تعرضها لزلازل تتراوح قوتها بين 6 و7 درجات حسب مقياس ريختر، والكثير من هذه المباني سيتعرض لحصول أضرار وانهيارات في العناصر المحمولة، كجدران الطوب والديكور والرخام، بالإضافة الى حصول تساقط واضح لقطع حجر الجدران الخارجية وما يترتب عن ذلك من إعاقة وخسائر في الأرواح. يُشار الى ان معظم أنماط المباني الدارجة في الدول العربية،  قد تم تصميمها وتنفيذها وفقاً لمفاهيم الهندسة الدارجة، فلا يزال العديد من المهندسين ولغاية الآن يصممون وينفذون المباني لتقاوم الاحمال الرأسية فقط، بمعنى ان تحمل نفسها وما عليها من أحمال، دون الآخذ بعين الاعتبار للقوى التي قد تحدثها الزلازل، علماً بإن جميع كودات البناء والمواصفات الموجودة في العالم في الوقت الحالي تأخذ بعين الاعتبار التصميم الزلزالي للمنشآت. ومن جهة أخرى، يعتقد لغاية الآن الكثير من  المواطنين  أن التصميم والتنفيذ الزلزالي للمباني شئ صعب وتكلفته المالية عالية جداً، وهذا غير صحيح، فالتصميم الزلزالي له عدة مستويات من الأمان والدقة، فبالنسبة للمباني العادية قد تزداد تكلفة المبنى بسبب التصميم والتنفيذ الزلزالي بنسبة ثلاثة إلى خمسة في المائة فقط كحد أقصى، وللعلم إذا كان المبنى بسيطاً ومنتظماً، أي إذا كان متماثلاً في الشكل والكتل، وفي توزيع الأعمدة والجدران أفقياً ورأسياً، فان ذلك يساهم بشكل كبير في مقاومته للزلازل وان لم يصمم لذلك.

ولكن من هو المسؤول عن كل ذلك، وما ذنب المواطن العادي، فربما يمكن استيعاب أنه ليس لدينا الإمكانات والوقت الكافي لمعالجة وتأهيل الكثير من المباني القائمة لمقاومة الزلازل، ولكن لماذا ولغاية الآن ورغم حصول الزلازل والخسائر في دول كثيرة كالجزائر، وتركيا، وإيران، والباكستان، والهند وغيرها، لا نأخذ العبر من أخطاء الآخرين، ونعمل على تجنب هذه الأنماط والأخطاء في المباني الجديدة، علماً بأن أسباب الانهيارات في المباني توثق بعد كل زلزال وتنشر في تقارير المؤسسات ذات العلاقة، ومع ذلك لا يزال العديد من المهندسين في العالم العربي بعيدين عن الاستفادة من هذه التقارير.

ولا تزال توصيات المؤسسات العلمية ذات العلاقة بالحد من مخاطر الكوارث في عالمنا العربي بدون آليات للتنفيذ، وتبقى حبراً على ورق، وذلك لعدم وجود عمل مؤسسي فعّال ينقلنا من العمل بردة الفعل الفردي أو الفئوي، إلى العمل بمنهجية الفعل الجماعي المؤسسي الذي يستند الى التخطيط الاستراتيجي الشامل والتنمية المستدامة.

توصيات للتخفيف من مخاطر الزلازل:
للتخفيف من مخاطر الزلازل، ولمعالجة الوضع الحالي، لابد من الالتزام بتنفيذ عدد من الإجراءات، وأهمها:

  • اعتماد الحد من مخاطر الكوارث كأولوية وطنية، ووضع التشريعات والقوانين لبناء قدرات المجتمع والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية على مواجهة الكوارث، وذلك وفقاً لآليات تنفيذية واضحة مبنية على قاعدة مؤسساتية صلبة، والالتزام بمعايير إطار عمل هيوغو والإستراتيجية الدولية للحد من المخاطر UNISDR)).
  • الاهتمام بالسلامة العامة وبرامج تهيئة المواطنين، وذلك من خلال اهتمام وسائـل الأعـلام المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية" بالبرامج التي تعنى بالتربية الزلزالية وإجـراءات  الوقاية والتهيئة.
  • الحد من مخاطر الزلازل، وذلك من خلال الالتزام بالتصميم والتنفيذ الزلزالي للمباني الجديدة، والعمل على إيجاد الآليات والتشريعات التي تلزم الهيئات المحلية وأية جهة ذات علاقة على تطبيق  الإشراف الهندسي الإلزامي على عمليات تنفيذ المباني والمنشآت، ووضع خطة وطنية لتأهـيـل المباني القائمة لمقاومة الزلازل وإعطاء الأولوية كمرحلة أولى للمباني العامة والمباني الحكومية، وذلك وفقاً لخطط شاملة تأخذ بعين الاعتبار المدى الزمني القصير والمتوسط والبعيد.
  • الاهتمام بسياسة استخدام الأراضي لتجنب الأماكن القابلة للانزلاقات الأرضية ومـناطـق التضخيم الزلزالي وغيرها من العوامل.
  • ضرورة وجود إدارة للكوارث وهيكلية واضحة لإسناد الطوارئ تشارك فيـهـا جـمـيع المؤسسات ذات العلاقة  الحكومية وغير الحكومية، وتشكيل لجان لإسـنـاد الـطـوارئ (إسعاف، وإنقاذ، وإخلاء، ومواصلات، وتموين، ومعلومات عن المفقودين، وغيرها). وتطوير قدرات الدفاع المدني والمؤسسات الاخرى التي تعمل في الاستجابة للكوارث.
  • وضع هيكلية وإنشاء غرفة عمليات مشتركة تشمل جميع المؤسسات الحكومية وغـيـر الحكومية ذات العلاقة في الدول الواحدة، ووضع الية للتنسيق بين الدول العربية في مجال ادارة الكوارث.
  • تشجيع تأسيس مراكز وجمعيات غير حكومية في مجال إسناد الطوارئ، والشروع في تكوين هيئات او منتديات وطنية للحد من مخاطر الكوارث.

Read 391 times

© 2024 جامعة النجاح الوطنية