الطريق إلى الكتيبة الثانية... بقلم بكر دراغمة
الطريق من جبل النار إلى ارض القمر تأسر النفس في قفص الجمال، يأخذك سحر الجمال فيها إلى تأمل الوطن الكسير، ترى الصخور صامتة وكأن في صمتها لغة عجزت حضاراتُ من مروا بها على فهمها، تتأمل وتزرع اللافتات المنتشرة على أرصفة الشوارع غصة في قلبك، وكأن الشوارع قد جُردت من أردية العروبة وارتدت اسماءً عبرية بحروف عربية، هنا لافتة كتب عليها تل افيف، وأخرى تحمل اسم اورشليم القدس، تحاول غض بصرك عنها لتعود إلى سحر الجمال الذي انطق أريحا غزلا، تمعن النظر في شجر النخيل المنتشر على مد بصرك والراسخ كجذور الفلسطينيين في بلادهم، الشامخ ككبرياء أطفالها بهويتهم، وكأن شجر النخيل صورة لكل فلسطيني.
من بعيد ترى علم فلسطين يعزف لحنه بهواء أريحا المشتعل غضبا، فيتسلل إلى قلبك الأمل، وتطرد كل الأسماء العابرة من أفكارك، وتعود إلى صياغة كلماتك دون عابرين بينها، تقترب أكثر فيزيد العلم شموخا وتزيد أنت أكثر، تترجل من الحافلة ليبدأ استقبالك بعرس وطني كمحارب عائد من ارض المعركة، تبتسم فأنت في أرضك أينما ذهبت، فتسمع صوت ضابط يقول لك أهلا بك في معسكر الكتيبة الخاصة الثانية في الأمن الوطني.
هي الزيارة الأولى لطلبة من جامعة النجاح إلى مواقع التدريب العسكرية الفلسطينية، وتهدف الزيارة إلى التواصل والتعاون بين الجامعة والأجهزة الأمنية وتعريف الطلبة على المؤسسات الأمنية بهدف كسر حاجز والخوف، وتقليص الفجوة المغلوطة التي صنعها المواطن عن الأجهزة الأمنية، وتعزيز الدور المجتمعي بين الجانبين، كما قال الأستاذ في العلاقات العامة خالد مفلح.
تدخل إلى ساحات التدريب فتزيد إيمانا أن للوطن رجالا لا يسقطوا من ذاكرتهم حمل السلاح، ولا يتسلل الى صلابتهم الخمول، وتعتصر عزيمتهم الفولاذ ماء، تقف للسلام الوطني بكل شموخ، وهم يقفون بكل تحدٍ، تسمع لسيمفونية وطنك الجريح، وكل مرة تسمع فيها النشيد تزيد في النفس أن فلسطين كل فلسطين وطن لا يمكن إسقاط حجر فيه من الذاكرة.
تدخل إلى قاعة الضيافة فتجد تحية من كل ما فيها، ترى صورة الختيار شامخة وتسحرك ابتسامته التي لن تنطفئ، لانها عنوان الصبر على القهر وهي مقدمة كل بداية قصة لكل فلسطيني
أنشأت الكتيبة الثانية عام 2008 بصفتها جزءاً لا يتجزأ من المؤسسة الأمنية الفلسطينية، كما قال المسؤول عن الكتيبة الرائد سمير عبد الحق، وأضاف" أن الهدف الأساس هو حماية الوطن والمواطن وفرض الامن وحماية الممتلكات" ويقول عبد الحق" هذه الدورة التاسعة للكتيبة الثانية للأمن الوطني".
تذهب في جولة داخل الموقع، تدخل غرف النوم المخصصة للكتيبة، كل شيء فيها يصرخ بالنظام، تنتقل بعدها إلى صالون الحلاقة المخصص للجنود واللافت هناك أن كل العاملين فيه هم من الكتيبة، بعدها تدخل إلى غرف الغسيل وكوي الملابس تجد النظافة والهدوء داخلها لا تسمع إلا صوت آلات الغسل، وكأن العاملين فيها خلية نحل لا يشغلهم عن عملهم لهو ولا لعب.
حسن الضيافة من الشيم الفلسطينية أينما ذهبت وحطت بك الركب، أما هناك في المعسكر فان الضيافة وحسنها له طابع آخر ممزوج بفرحة ونظام لا يمكن زعزعت أركانه، شعور لا يمكن للكلمات أن تفي حق معناها، وان يقتسم أهل المعسكر لقمتهم معك وكذلك ابتسامتهم لا يكفي الشعر وحده بل بحاجة لكل لغات الدنيا.
يقول الأستاذ في كلية الإعلام في جامعة النجاح أسامة عبد الله:" أن طلبة الإعلام لهم خصوصية كان لا بد من زيارة الطلبة للمؤسسة للتعايش عن كثب بالقطاع الأمني حتى يقوموا بدورهم بنقل صورة حقيقية عن دور المؤسسة الأمنية وأدائها".
انتهت الرحلة تصعد إلى الحافلة وقد نفضت كل الغبار الذي علق على أفكارك مع مرور الزمن، وترسم صورة جديدة لا شِيَةَ فيها عن الأمن الوطني وكذلك عن الكتيبة الثانية فيه، تنظر لكل من حولك داخل الحافلة مرسوما على وجوههم الابتسامة، لان على ارض القمر يختلف كل شيء، كل شيء يبتسم ، الصخر الهواء الشمس تجبرك على الهروب من يأسك، هناك حيث أريحا لا يأخذك التفكير إلى موت الفكرة او خلق الملل، بل يصنع حضارة من صخر لا يعرى وصحراء مذهبة الأمل، نعم إنها ارض القمر ارض أريحا ......