بمناسبة اليوم العالمي للحد من الكوارث "نحو بناء إستراتيجية فلسطينية للحد من مخاطر الكوارث"
د.جلال الدبيك*
بمناسبة اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث والذي يصادف 13 تشرين أول من كل عام، وبالإطلاع على تجربة المجتمع الفلسطيني ومؤسساته في هذا المجال، وما تحمله هذه التجربة من ثغرات وعناصر قوة، وبصفتي احد المهتمين في هذا المجال، أرى انه رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات العلمية التي تعمل في مجال المعرفة والدراسات والتوعية العامة وبناء القدرات، إلا أن التزام المؤسسات التنفيذية الحكومية وغير حكومية بمفهوم ومعايير والية عمل منظومة الحد من مخاطر الكوارث لا يزال محدوداً.
من المعروف أن فلسطين ومعها معظم الدول العربية قد تتعرض مستقبلاً للعديد من الأخطار الطبيعية (Natural hazards)، وفي ظل ارتفاع مستوى قابلية إصابة (Vulnerability) المباني ومنشاَت البنى التحتية والمنشاَت الحساسة، وضعف قدرات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للاستجابة للطوارئ، يتوقع أن ينتج عن هذه الأخطار أو التهديدات، مخاطر (Risks) وخسائر (losses) حتى وان كانت مقدار درجات هذه الأخطار تتراوح بين معتدلة إلى قوية نسياً حسب المعايير العلمية العالمية، وفي حالة الأخطار الزلزالية (Seismic Hazards)، يتوقع أن تكون المخاطر الناتجة عنها كبيرةً، وفي ظل عدم وجود سياسات وطنية واضحة لاعتبار الكوارث أولوية وطنية، يتوقع أن يمتد التأثير السلبي لهذه الزلازل في حالة حدوثها على المجتمع الفلسطيني ومؤسساته لسنوات طويلة.
أظهرت الدراسات الزلزالية التي تم إجراؤها في فلسطين والدول المجاورة (دول منطقة حفرة الانهدام الإفريقي الأسيوي)، أن المنطقة قد تعرضت لزلازل عديدة ومدمرة على مر التاريخ، وتتوقع معظم الدراسات التي تم اجررها أن تتعرض فلسطين والدول المجاورة في المستقبل لزلازل قد تتراوح مقدار درجتها القصوى بين 6 و7 درجة حسب مقياس ريختر، وبهدف الحد من المخاطر المحتملة لهذه الزلازل، أجرت وحدة هندسة الزلازل التابعة لمركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث، في جامعة النجاح الوطنية، العديد من الدراسات، وأهمها:
- خرائط الخطر الزلزالي (Seismic Hazard Map) وكود البناء الزلزالي.
- قابلية الإصابة والسلوك الزلزالي المتوقع لأنماط المباني الدارجة في فلسطين.
- تأثير تربة الموقع (site Effect) على السلوك الزلزالي للمباني في بعض المدن الفلسطينية.
- قياس مستوى وعي المواطن الفلسطيني بالمخاطر الزلزالية.
- قياس مستوى وعي المهندس الفلسطيني بمتطلبات وأسس التصميم والتنفيذ الزلزالي للمنشاَت.
وبالإضافة إلى الدراسات المذكورة أعلاه، وفي إطار بناء قدرات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته لمواجهة الكوارث، تم تنفيذ عدد كبير من الفعاليات والأنشطة في مجال التوعية العامة، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المحلية والعربية والدولية ذات العلاقة، وبتغطية من قبل وسائل الإعلام المختلفة. ومع ذلك لا تزال برامج وأنظمة الحد من مخاطر الكوارث بمفهومها الشامل على المستوى الوطني، بعيدة عن المستوى المطلوب، علماً ان بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لا تزال تعتقد لغاية الان أن مفهوم الحد من مخاطر الكوارث، يعني رفع مستوى القدرات في مجال الاستجابة للطوارئ فقط، كعمليات الإسعاف والإنقاذ وإدارة الكوارث، ومع أن تنمية وبناء القدرات في هذه المجالات يعتبر مهم وضروري باعتباره عنصر أساسي في مفهوم وفلسفة الحد من مخاطر الكوارث، لكنه لوحدة لا يكفي، فالأصل أن يرافق ذلك، التركيز على الأمور الوقائية التي تضمن أمن وسلامة المنشاَت وتجنب تعرضها للأضرار والانهيارات، من خلال تصميمها وتنفيذها لتواجهه الكوارث المختلفة، وبناؤها على أراض مناسبة وفقاً لسياسات وطنية شاملة لاستخدام الأراضي (وهذا ما يعرف بالاستثمار الدائم أو التنمية المستدامة)، بالإضافة إلى تطوير المعرفة على كافة المستويات، ويشمل ذلك برامج التوعية المجتمعية لتحوي المجتمع من مستقبل للخدمة إلى مشارك، وتطوير القدرات في مجال تحديد مصادر الأخطار ورصدها وتقييم المخاطر التي قد تنج عنها، وغير ذلك.
وحتى نكون منصفين، فمن خلال متابعة واقع المؤسسات التي تعمل في الاستجابة للطوارئ، أظهر الدفاع المدني خلال السنوات الخمس الماضية تطور واضح ونقلة نوعية، ويأمل أن تستمر الحكومة في إعطاء الأولوية لتطوير قدراته البشرية والمادية، أما المؤسسات الصحية الفلسطينية الحكومية وغير الحكومية، فمن الواضح أنه خلال الانتفاضة الثانية قد اكتسبت هذه المؤسسات خبره جيده في التعامل مع إسعاف العديد من أنواع الإصابات، وتعتبر قدراتها البشرية جيده مقارنة مع مثيلاتها في بعض الدول العربية، ومع ذلك لا يمكن اعتبار القدرات الحالية للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل في مجال الاستجابة للطوارئ كافية وتحقق المتطلبات العالمية، فلا يزال هناك حاجة لكثير من العمل، وخصوصاً أن الحالة الفلسطينية تعتبر مميزة، فلا يزال الشعب الفلسطيني ومؤسساته تحت الاحتلال، وبالتالي إضافية للمعيقات الداخلية، يعتبر الاحتلال كمعيق خارجي، أحد أهم الأسباب التي ستجعل من المناطق الفلسطينية الأكثر تأثراً في حالة حصول " لا سمح الله" زلزال قوي نسبياً، كحصول زلزال تتراوح قوته القصوى بين 6 – 7 درجات حسب مقياس ريختر، وكان مركزه السطحي في منطقة البحر الميت أو الأغوار أو منطقة طبريا والجليل، ففي هذه الحالة ستكون الدول المجاورة للأراضي الفلسطينية المحتلة مشغولة بنفسها، لأنها ستكون هي أيضا متأثرة، وستكون أجهزتها ومؤسساتها الحكومية وغير الحكومية ومطاراتها مشغولة وستعاني من ضغط كبير، وبالتالي سيؤثر ذلك على مساعدة دول المنطقة واستقبال المساعدات من دول العالم، وهذا يعني أن تصل المساعدات الخارجية متأخرة، ومما يعزز هذا الرأي عدم وجود سيادة فلسطينية على الأرض، وهذا يشمل عدم وجود مطارات وحدود سيادية تساهم في استلام مساعدات المؤسسات الدولية، بالإضافة لعدم وجود جيش فلسطيني يمتلك معدات وتجهيزات وطائرات مروحية وغيرها، وهذا بمجملة يؤكد أن الحالة الفلسطينية وباعتبارها حالة ذات طابع خاص، يتطلب من الحكومة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية اتخاذ إجراءات خاصة ومتقدمة للحد من مخاطر الكوارث، وهذا يعني ضرورة اعتماد اسراتيجية وطنية شامله وفعاله للحد من مخاطر الكوارث، وان تستند هذه الإستراتيجية إلى المفاهيم والأطر الدولية والى نقاط قوة المجتمع الفلسطيني، و يجب أن تكون الخطوة أو الأولوية الأولى للعمل، اعتبار الكوارث بأنواعها المختلفة أولوية الأولى للعمل، اعتبار الكوارث بأنواعها المختلفة أولوية وطنية قائمة على قاعدة مؤسساتية صلبة للتنفيذ، ويشمل ذلك وضع تشريعات وقوانين واليات تنفيذية، وتحديد المهام والمسئوليات للمؤسسات ذات العلاقة، بحيث يتم ضمان أن تعمل جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية مع بعضها البعض في منظومة متكاملة وشاملة، بمعنى أخر الالتزام بمعايير الحكم الرشيد في مواجهة الكوارث.
وفي خطوة جيدة ومتقدمة في إطار الحكم الرشيد، تم في الأشهر القليلة الماضية توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الحكم المحلي، ووزارة الأشغال العامة والإسكان، ونقابة المهندسين ومركز هندسة الزلازل في جامعة النجاح الوطنية لاعتماد وتطبيق كود البناء الأردني لتصميم المباني المقاومة للزلازل أو الكود العربي الموحد، وخلال الأسابيع القادمة من المتوقع أن يتم استكمال الإجراءات القانونية اللازمة على مستوى انظمه البناء في فلسطين، وبالتنسيق مع نقابة المهندسين ووحدة هندسة الزلازل في جامعة النجاح سيتم قريباً المباشرة في إجراء دورات تأهيلية لتطوير قدرات المهندسين العاملين في مجال تصميم المباني وتنفيذها.
وانطلاقاً من أهمية بناء قدرات المجتمع الفلسطسني ومؤسساته لمواجهة الكوارث وفقاً لإستراتيجية شاملة ومتكاملة يتم من خلالها دمج مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث مع برامج التنمية المستدامة، وبالاستناد إلى الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث UNISDR، وإطار عمل هيوغو للعقد 2005 - 2015، والإستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث للعقد 2011 – 2020، وبتحليل أهم نقاط قوة وضعف المجتمع الفلسطيني ومؤسساته، هناك حاجة ماسة للالتزام بما يلي:
1- الحكم الرشيد (الحوكمة)، وهذا يعني اعتبار الكوارث أولوية وطنية قائمة على قاعدة مؤسساتية صلبة للنفيذ، وتعزيز الالتزام بمنهج شامل ومتكامل للحد من مخاطر الكوارث في مختلف القطاعات.
2- بناء القدرات اللازمة لتحديد الأخطار ورصدها، وتقييم مخاطر الكوارث التي قد تحدثها.
3- بناء القدرات على المجابهة من خلال المعرفة والبحث والاهتمام ببرامج التوعية والإرشاد على المستوى الوطني، والتدريب وبناء قدرات المخططين والمهندسين وغيرهم، والتركيز على مساهمة وسائل الإعلام والمناهج الدراسية المدرسية والجامعية على برامج الحد من مخاطر الكوارث.
4- تحسين المسائلة فيما يتعلق بإدارة مخاطر الكوارث على الصعيد المحلي والوطني، وكذلك الحد من عوامل المخاطر الرئيسية، كتصميم المباني المقاومة للزلازل، وضبط سياسة استخدام الارضي لتجنب البناء في مناطق: التضخيم الزلزالي، والانزلاقات الأرضية، ومجرى الأودية والسيول، وغيرها.
5- إدراج الحد من مخاطر الكوارث مع خطط وعمليات الاستجابة للطوارئ والاستعداد والتعافي.
- مدير مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث في جامعة النجاح الوطنية ونائب رئيس الهيئة الوطنية للتخفيف من أخطار الكوارث، فلسطين