جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


أنا الطالبة يُسر خروب، من برنامج الهندسة المعمارية في جامعة النجاح الوطنية. لطالما راودني حلم خوض تجربة تدريبية خارج حدود الوطن، وتحديدًا في مصر، بلد الحضارة والهوية الثقافية العريقة. ومع إعلان مركز التدريب في جامعتي عن فرصة تدريب عملي هناك، سارعت بالتقديم وتم قبولي، لأخوض واحدة من أعمق التجارب وأغناها إنسانيًا وثقافيًا في حياتي.


وصلت إلى مصر مساء الثاني من يوليو، ضمن فترة استقبال امتدت حتى الثلاثين من الشهر ذاته. وكان في استقبالنا فريق التدريب من جامعة الفيوم، حيث رافقوني من مطار القاهرة إلى مدينة الفيوم، وتم تأمين سكننا وتعريفنا بالمنطقة. ومنذ اللحظة الأولى، لمست دفئ الترحيب ومحبة أهل الفيوم، إضافة إلى الاحترام الكبير الذي يُكنّونه للشعب الفلسطيني، وهو شعور بقي يرافقني حتى لحظة الوداع.

خلال فترة التدريب (5–26 يوليو)، التزمنا بدوام أكاديمي منتظم من الأحد وحتى الخميس في كلية الهندسة، حيث تلقّينا محاضرات متخصصة تناولت مجالات معمارية معاصرة مثل: الطباعة ثلاثية الأبعاد، العمارة الداخلية، العمارة الحركية، الزراعة الرأسية في المباني، ومهارات شرح الفكرة المعمارية.

كما تضمنت الخطة الأسبوعية زيارات ميدانية إلى مواقع متنوعة في القاهرة، شملت معرض الأثاث الدولي (IKEA)، ومجمع "كايرو فيستيفال سيتي"، إضافة إلى منطقة القاهرة الفاطمية حيث زرنا جامع السلطان حسن، الذي يُعد أحد أعظم شواهد العمارة الإسلامية.

تجمع مصر بين عبق التاريخ وحداثة الحاضر؛ فبين أزقتها القديمة ومساجدها التاريخية، تنهض الأبراج والمراكز التجارية الحديثة، لتمنح الزائر تجربة فريدة تكشف عمقها الثقافي وحيويتها المعاصرة. فهذا التلاقي بين الماضي والحاضر يبعث في الذات إلهاماَ بضرورة الحفاظ على هوية بلادنا وتاريخنا بذات الشغف الذي نحلم به لمستقبلها.

وكان يوم الجمعة مخصصًا للأنشطة الثقافية. ومن أعمق لحظاتي خلال التدريب كان "اليوم الفلسطيني"، حيث جسّدنا هويتنا الفلسطينية من خلال الدبكة، المأكولات الشعبية، التراث، وعرض تقديمي عن القضية الفلسطينية. شعرت بفخر عميق وأنا أروي قصة وطني أمام الطلبة ومدربين من دول مختلفة، ولا سيما اليمن، الذين شاركونا مشاعر الدعم والتضامن.

بعد مشاركتي في تقديم العرض الفلسطيني، تم اختياري لأكون عريفة الحفل الختامي، وهي مسؤولية منحتني ثقة أكبر بنفسي، وعززت مهاراتي في الإلقاء والتنظيم أمام جمهور متنوع الخلفيات. 

زملائنا من اليمن لم يكونوا مجرد رفقاء في البرنامج، بل أصبحوا إخوة حقيقيين. تبادلنا معهم ثقافتنا ولهجاتنا وأكلاتنا الشعبية، وتشاركنا اللحظات والتحديات، وتحدثنا كثيرًا عن التشابه بين معاناتنا كشعب فلسطيني ويمني في ظل ظروف سياسية وإنسانية صعبة، مما عمّق الروابط الإنسانية بيننا.

ورغم الصعوبات الطبيعية لأي انتقال إلى بيئة جديدة، شعرت في الفيوم – ولأول مرة منذ 22 عامًا – بطعم الحرية الحقيقية، وبأمانٍ في التنقل، واستقلاليةٍ في اتخاذ القرارات. لم يكن هذا التدريب مجرد دورة علمية، بل تجربة حياتية صقلت شخصيتي، وطورت قدرتي على التكيف، وعززت مهاراتي في التواصل والعمل الجماعي، وجعلتني أكتشف جانبًا جديدًا من ذاتي.

في الختام، أود أن أوجه شكري وامتناني لجامعة الفيوم على كرم الاستقبال وتفاصيل الاهتمام، ولجامعتي – جامعة النجاح الوطنية – على إتاحة هذا الأفق لي، ولعائلتي التي ساندتني بكل ثقة. فقد كانت هذه التجربة علامة فارقة في حياتي، وأدعو كل طالب/ة بألا يتردد في خوضها. ففي شهر واحد، يمكن أن تنضج رؤيتك للعالم ولنفسك بشكل لا تتوقعه.


© 2025 جامعة النجاح الوطنية