الخريج يحيى خويرة من برنامج هندسة الاتصالات سفيراً للنجاح في جامعة السوربون في فرنسا

الخريج يحيى خويرة من برنامج هندسة الاتصالات سفيراً للنجاح في جامعة السوربون في فرنسا
جامعة النجاح إلى السوربون: رحلة تعليمية وبحثية ملهمة
قبل عِدة سنوات، كنت طالباً في بكالوريوس هندسة الاتصالات بجامعة النجاح الوطنية. كنت حالماً تتملكني الرغبة العارمة في فهم العالم. وأن أكون قادراً على تطويع الطبيعة وفك ألغازها بالمعرفة المكتسبة، تعلمتُ بعضاً منها في تلك السنوات من خلال العلوم الهندسية وفي نفس الوقت لم أكن أدخر وقتاً للمشاركات اللامنهجية في أروقة الجامعة، أخص بالذكر هنا الجمعية الطلابية لعلوم الفيزياء والفلك. بوابتي الأولى التي أرشدتني وألهمتني في هذه الرحلة.
أذكر أيضاً الوقت الذي كنت أمضيه وأنا أتقلب بين صفحات الكتب، أقرأ وأحاول التعرف على هذا الكون وبنيته وتعقيداته وبناء تصور كيف أصبح على الصورة التي هو عليها اليوم. شيءٌ كبير هو هذا الأمر، يبدو فيه المرء كطفل صغير يطمع في أن يقود سيارة رياضية وهو لم يخطو خطواته الأولى بعد. لا تزول من ذاكرتي اسم أحد المختبرات التي كانت تُعنى بهذا المجال الشيق: المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN) ، أحد رواد البحث العلمي ومن طلائع المختبرات العلمية على مستوى العالم في البحث والكشف عن أسرار الكون
ومن خِلال نشاطي في أروقة قسم الفيزياء في جامعة النجاح الوطنية، أُتيح لي التعرف على نشاطات القسم الخارجية والتبادل الطلابي الحثيث واستقدام الخبرات الخارجية من خلال المدرسة الشتوية في فيزياء الطاقة العالية التي شاركت بها كأول طالب هندسة في الجامِعة، وتلك الخطوة ستكون الأولى لرحلتي هذه. تحملني الأيام بعد ذلك بمبادرات إيجابية فريدة من نوعها للحصول على منحة تدريب عملي في مختبر المسارع الخطي في جامعة باريس سكلاي، مفتاح الرحلةِ الأول الذي سيكون سبباً في نقلة نوعية بعد حصولي على منحة أُخرى وهذه المرة في المجال الذي طالما كنت راغباً به في الفيزياء التطبيقية، وذلك بعد عِدة توصيات أكاديمية من أعضاء المدرسة الشتوية، وأخص بالذكر القائم عليها د. أحمد بصلات.
من الحلم إلى الواقع:
بعد أن أنهيت مرحلة البكالوريوس بتميُز، حصلت على منحة لدراسة الماجستير في تخصص الفيزياء التطبيقية الذي يتضمن بعضًا من أكثر تطبيقات الفيزياء الحديثة رواجًا، مثل إنتاج الطاقة من خلال الاندماج بالاحتواء المغناطيسي، فيزياء مسرعات الأنوية عالية الطاقة، وكواشف الجسيمات الأولية. كانت هذه المرحلة مفصلية في حياتي التعليمية. حيث تمكنت من التميز الدراسي والحصول على منحة أخرى لمتابعة الدكتوراه في جامعة باريس سكلاي، إحدى أعرق الجامعات في فرنسا.
خلال مرحلة الدكتوراه، انتُخبت كمُمثل لطلبة الدكتوراه في المختبر عن 130 فرداً، كما وأشرفت على العديد من طلبة البكالوريوس والماجستير وشاركت في عدة مؤتمرات علمية في إيطاليا، سويسرا، وألمانيا. انضممت إلى تجربة أطلس في سيرن بسويسرا، حيث تميزت في السنين الأولى خلال عملي على أبحاث متقدمة تخص دراسة التأثيرات الإشعاعية على الأجهزة الإلكترونية وأشباه المواصلات المستخدمة في كواشف الجُسيمات لتجربة أطلس. ومن خلال عملي التجريبي والنمذجي لمُحاكاة هذه التأثيرات، قمت بالإقامة الفعلية لمدة عام في سيرن لتكثيف البحث
وانضممت إلى فريق التجارب الإشعاعية للكواشف التي سيتم تطويرها لتجربة أطلس. والمشاركة المباشرة في تحليل البيانات.
من أكثر التجارب التي أحببتها في سيرن، كانت تلك المتعلقة ببناء نموذج لمحاكاة أداء وعمل الكاشف الداخلي لتجربة أطلس. كان التحدي كبيرًا، حيث كان علينا تصميم محاكاة عَملية دقيقة تعكس ظروف العمل الحقيقية، ولكن هذا التحدي كان محفزًا لي
كانت هذه العملية تتطلب دقة متناهية، حيث كان أي خطأ قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة، وبالتالي، كانت كل لحظة مليئة بالترقب والإثارة. قمت بنشر هذه التجارب التي لاقت استحسانًا وشاركت على إثرها في أكتوبر 2023 بمؤتمر في جزيرة سردينيا في إيطاليا.
هذه التجربة في سيرن لم تكن مجرد محطة في مسيرتي الأكاديمية، بل كانت فصلًا ملهمًا من فصول حياتي التي تبلورت في أروقة جامعة النجاح الوطنية، وأسفرت عن لحظات مليئة بالتحديات والانتصارات التي لا تُنسى. تعلمت الكثير وازددت شغفًا بالبحث العلمي، وأنا أتطلع إلى المراحل القادمة من مسيرتي بأمل وإصرار أكبر.
الزمالة البحثية في جامعة السوربون :
بعد مناقشة رسالة الدكتوراه، حصلت على زمالة بحثية مميزة في جامعة السوربون في قلب باريس. وأنا الآن أعمل على تطوير كواشف الجسيمات والإشراف على الأبحاث والمشاركة الفعالة في بناء كواشف الجسيمات المرتقبة في تجربة أطلس بالإضافة إلى أنشطة أخرى تتضمن كواشف الأجهزة الطبية
للتصوير وتطبيقاتها. أشرفت على عدة طلاب جامعيين في البكالوريوس والماجستير، وطلاب الدكتوراه
الزمالة في السوربون لم تكن مجرد فرصة للعمل البحثي، بل كانت أيضًا تجربة حياتية غنية. استمتعت بجمال باريس وتاريخها العريق، واستفدت من البيئة الثقافية والتعليمية المحيطة بي.
العودة إلى فلسطين:
كفلسطيني، أحلم دائماً بالعودة إلى بلدي لنقل الخبرة الأكاديمية والبحثية والمشاركة في تطوير المجال العلمي في وطني فلسطين بشكل عام، وفي جامعتي الأم بشكلٍ خاص، جامعة النجاح الوطنية. أطمح إلى أن أكون جزءاً فاعلاً في تطوير البنية التحتية للبحث العلمي وتعزيز التعاون مع مراكز الأبحاث العالمية. وما زادني إصراراً على هذا الهدف هو انضمام جامعة النجاح الوطنية كأول جامعة فلسطينية وعربية في المنطقة كعضو في تجربة أطلس.