انطلقت رحلتي الأكاديمية في جامعة النجاح الوطنية، حيث كان شغفي بتخصص الفيزياء بوابتي إلى عالم البحث العلمي. لكن التحول الحقيقي حدث عندما التحقت بالمدرسة الشتوية في فيزياء الطاقة العالية في فلسطين (WISHEPP)، بإشراف د. أحمد بصلات من قسم الفيزياء في جامعة النجاح. والذي كان له دوراً محورياً في توجيهي ودعمي خلال مسيرتي العلمية، بالتعاون مع جامعة Paris-Saclay ومختبر IJCLab.

أتاحت لي هذه التجربة فرصة استكشاف فيزياء الجسيمات الأولية، مثل الكواركات والغلونات، ووفرت لي نافذة للتواصل مع نخبة من خبراء البحث العلمي. نتيجة لذلك، حصلت على فرصة للتدريب في مختبرات المصادم الهادروني الكبير (LHC) عام 2018 لمدة شهرين مع تجربة  LHCb، التي تركز على دراسة بنية المادة ونظيرها في الكون. وفي عام 2019، حصلت على فرصة تدريبية أخرى مع تجربة ATLAS، الأكبر من نوعها عالمياً، والتي اشتهرت برصد جسيم هيغز، الجسيم الذي يُعتقد أنه يمنح الكتلة للأجسام.

مرحلة الماجستير: التميّز بين نخبة النخبة

في عام 2020، ومع توقيع اتفاقية التعاون بين جامعة النجاح وجامعة Paris-Saclay، التحقت ببرنامج التبادل الطلابي  ERASMUS في جامعة Paris-Saclay، كما حصلت على فرصة استثنائية للدراسة والتدريب في مدرسة CERN الصيفية، التي تستقطب نخبة من الطلبة من مختلف أنحاء العالم. وخلال شهرين، تعمقت في دراسة فيزياء الجسيمات الأولية والتجارب العملية المستخدمة لفهمها. قمت أيضاً بتطوير برمجية خاصة بواجهة المستخدم لمراقبة الجسيمات المسرَّعة في        CERN  والإشعاع الصادر عنها. كانت تجربة غنية ومثمرة، حيث تُوجت بنجاح العمل من خلال حصولي على مكافأة تقديراً لجودة النتائج ودعماً لمسيرتي البحثية والأكاديمية.

استكملت درجة الماجستير في تخصص فيزياء الجسيمات والفيزياء النووية (NPAC) ، وكنت ضمن نخبة الطلبة في هذا البرنامج المرموق دولياً. وتناولت رسالة الماجستير دراسة أولية لتفاعلات الجسيمات في حالة جديدة للمادة تُعرف باسم "بلازما الكواركات والغلونات"، والتي يتم إنتاجها في مصادم الهادرونات الكبير (LHC) ، وقمت بدراسة هذه التفاعلات من خلال تجربة ALICE، المختصة بفهم أصل المادة وتفاعلات مكوناتها عبر دراسة خصائص البلازما.

مرحلة الدكتوراة: تميّز بحثي دولي  

حظيت بدعم مركز الأبحاث الوطني الفرنسي (CNRS) للالتحاق ببرنامج الدكتوراة في جامعة Paris-Saclay. كرّست فيها ثلاث سنوات من العمل البحثي لدراسة تفاعلات مكونات النواة في الظروف الأكثر قسوة ودرجات الحرارة الهائلة لتصادمات الأنوية الثقيلة في LHC والتي تنتج فيها بلازما الكواركات والغلونات. تضمنت أبحاثي إجراء تحليل بيانات تجريبية معقدة نحو فهم أفضل لتفاعلات الكواركات والغلونات. وتوصلت إلى نتائج نوعية ساهمت في إثراء الفهم العالمي لهذه التفاعلات، وشاركت في أكثر من مئة ورقة بحثية تعاونية ضمن تجربة ALICE. كما عرضت نتائج أبحاثي في مؤتمرات دولية مرموقة، وأبرزها مؤتمر الكواركات (Quark Matter 2023) الذي عقد في-  Houston-Texas في الولايات المتحدة الأمريكية، ونلت فيه جائزة أفضل عرض تقديمي، مما يعكس التميز الأكاديمي الذي يحققه طلبة جامعة النجاح على المستوى دولي.

تطلعاتي المستقبلية: دعم البحث العلمي في فلسطين

بعد مناقشة رسالة الدكتوراة في أكتوبر 2024، وبحضور شخصيات علمية مرموقة، أطمح إلى نقل معارفي وخبراتي التي اكتسبتها خلال مسيرتي الأكاديمية والبحثية إلى بلدي فلسطين، وإلى جامعتي الأم، جامعة النجاح الوطنية. أؤمن أن خبرتي المتعمقة في مجال فيزياء مكونات النواة ستمكنني من الإسهام في تطوير البحث العلمي في فلسطين، وتعزيز جودته، بما يرفع من مكانتها العلمية على الساحة الدولية.

إلى جانب شغفي بالبحث العلمي، أرى أن التعليم هو الوسيلة الأهم لنقل المعرفة، حيث أسعى إلى تعليم الأجيال القادمة وتزويدهم بالأدوات اللازمة ليصبحوا علماء متميزين وقادرين على إحداث فرق في مجتمعهم. إن بناء جيل جديد من العلماء الفلسطينيين المبدعين هو حلم أطمح لتحقيقه.

ما حققته حتى الآن لم يكن ليتحقق لولا توفيق الله، ودعم عائلتي، واحتضان جامعتي وقسم الفيزياء لي. أعتبر ما وصلت إليه مجرد بداية، ورحلتي في العلم والمعرفة لن تتوقف بإذن الله.