مشاعر الكترونية
أكاذيب ضالة ومشاعر زائلة تُسكب داخل حُجرات الدردشة الالكترونية، لتصبح مشاعرنا أيقونات باردة تَعرِض ما يجيش بخواطِرنا، فالاختفاء وراء تلك الشاشة الصماء ليتقمص أدواراً لا تمت له بصلة؛ ما هو إلا ضعف وعجز عن الاندماج مع الواقع.
بقلم: ريم جوابرة
تحرير: دائرة العلاقات العامة
واقع افتراضي زائف، ثرثرة آلت بنا إلى التلعثم والاستسلام، مشاعر إنسانية مدفونة خلف رسائل الكترونية منسوجة من حروف باردة ووجوه صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين.
لقد أصبحت البشرية تعتمد على مشاعر الكترونية في جل مناسباتها كالتهنئة والعزاء، ولم تكن صادقةً أو كاذبةً حتى؛ فما تلك التناقضات إلا اعتياداً لعيناً نقضي معظم أوقاتنا فيه؛ حتى جعلتنا منقادين لحروف صامتة، تاركة مساحات شاسعة للكذب والانفصام، فما إن نرى أحدهم يجلس خلف تلك الشاشة إلا وقد تتغير تعبيرات وجهه؛ فتارة نراه يبتسم وأخرى بتجاعيد مقطبّة، وربما تضفي الشاشة على وجهه بريقاً وتورداً وفوضى من درجات الحرارة.
طغت مشاعرنا الالكترونية؛ لا بل تربعت في عالمها الثالث؛ فاستبدلتنا بوجوه صفراء على شاشات بأحجام مختلفة؛ وكأننا لم نُخلق بوجوه متعددة، وسلبت أصواتنا وهذا أضعف الإيمان حتى أبكمتنا لأرقام وحروف صامتة، فتحولت المشاعر على اختلاف أنواعها لرسائل على تطبيقات محملة على هواتفنا الذكية حتى كادت أن تحولنا إلى أغبياء، تبدلت الموازين فأضحت الصداقة بنقرة على موقع الفيسبوك، وقد لا ترى أعيننا لنترافق ولم تتلّفظ ألسنتنا لنتسامر، ولم تقض قلوبنا في الصداقة؛ بل نقرنا نقرة وصرنا أصدقاء، فتغيرت مشاعرنا لالكترونيات تطبع ما يجوب في هواجسنا حتى باتت تستوطن أرواحنا التي غدت رهينة تلك الشاشات الصغيرة.
كثير ممن توارى خلف تلك الحياة الوهمية؛ فأطلق خياله باستحضار آسِر من الممكن أن تتفوّه به قلوب حاسدة حاقدة، وابتسامة من الممكن أن تكون ملاطفة متملّقة متعكرة المشاعر، تلاشت مشاعرنا وفقد كل شيء معناه حتى فقدنا مصداقيتنا؛ فصرنا نستبشر ونهلل بأقدام قافزة ونشجو ونحزن بدموع منافقة، وأصبحنا من ذوي المشاعر الالكترونية.
لقد عثنا بحق التطور والتكنولوجيا فساداً، لنعترف في لحظة صدق أننا أسأنا بحق أنفسنا، وتقيدنا بمحيط مراوغ خاوٍ من الصدق ويختزن الشك، تكثر فيه المجاملات وتجف فيه اللهفات.