جامعة النجاح الوطنية
An-Najah National University

You are here


أثناء مشاركتي في جولات سيران نابلس الثقافي، سمعت الطلبة يتحدثون عن قرب تنظيم ‏جولات بيئية في مختلف مدن الوطن وقراه، لم أكترث بهذا الأمر لأنني لم أكن مهتماً بالشؤون ‏البيئية، كما أن مصطلح (مخيم بيئي) كان جديداً علي، ولكن كان من الواضح أنه مخيم يهتم ‏بالبيئة التي ُتعنى بالطيور والفراشات والأشجار والورود، كل هذه الأمور ليست من مجالات ‏إهتمامي التي تشمل الدين والتاريخ والسياسة. ‏


بقلم: أحمد الضميري

تحرير: علاء ابو ضهير - دائرة العلاقات العامّة

نحن نقضي آخر يوم من أيام سيران نابلس، سألني صديقي يوسف ظاهر (أثناء السيران) إذا كنت ‏قد سجلت في المخيم البيئي أم لا؟ فأجبته بالطبع لا، لأنها ليست من اهتماماتي أصلاً، وسألته هل ‏سجلت في المخيم البيئي، فأجابني بالطبع، وبدأ يشرح لي عن المخيم (مع العلم أنه شارك في ‏المخيم البيئي الثالث كما قال لي) وقال: هي عبارة عن زيارات إما لمكرهة صحية تتحدث عن ‏تلوث أو لمحمية طبيعة، وذكر لي بعض الزيارات منها لمدينة طولكرم وهذا المصنع سيء ‏السمعة (جيشوري) وتأثيره السلبي، وضرب لي هذا المثال من طولكرم لأنني من تلك المدينة ‏وذلك ليوضح آلية عمل المخيم البيئي، ونصحني بشدة أن أشارك فيه، وأنني سأزداد خبرةً ولن أندم ‏وسأكون سعيداً إذا شاركت فيه.

الصراحة أنني وافقت ليس اقتناعاً بالمخيم البيئي، بقدر أنني تشجعت لأن كثيراً من أصدقائي ‏المتطوعين الذين شاركونا في السيران سيشاركون أيضاً في المخيم البيئي، و سألت نفسي لم لا ‏تكون تجربةً جديدةً لي! دعني أجرب فإن لم أكسب بالطبع فلن أخسر.‏

سجلت متأخراً في المخيم البيئي بل تستطيع أن تقول أنني آخر من سجل، شاركت في اليوم ‏الأول، وكانت المشاركة على استحياء، لكنها دفعتني دفعة قوية لأكون مرافقاً للمخيم طيلة ‏أيامه في محافظات رام الله وسلفيت والخليل وطوباس وأريحا.‏

كان المخيم رائعاً بفريقه الذي شكّل خلية عملٍ واحدة تربطنا الوحدة والانسجام التام، بعضنا ‏كان يصور اللقاءات والمحاضرات لتوثيقها وإرسالها لمن لم يتمكنوا من المشاركة في ذلك ‏اليوم، ومنا من صور بعض الصور للذكرى، ومنا من كان يشرح للطلاب ويعطيهم بعضاً من ‏المعلومات بالإضافة إلى المعلومات التي كنا نستفيدها من المتحدثين كالطالب اسلام دغلس ‏الذي يدرس في كلية الزراعة بالجامعة (جامعة النجاح) وكان يشرح لنا بعضاً من الأمور ‏البيئية سواء عن النحل أو تاريخ بعض الأشجار والنباتات، وأيضاً حلا براهمة التي كانت ‏تدرس تخصص هندسة الطاقة وكانت تشرح لنا بعض الأمور في مجال الطاقة البديلة (الطاقة ‏الشمسية).‏

وهذا الجميل في الأمر، أنك لا تكتفي في المخيم بأن تتعلم فقط من اللقاءات والورش والأماكن ‏التي نزورها، بل وتتعلم أيضاً من الطلبة الذين يشاركونك بمعلوماتهم التي تعلموها عن البيئة ‏وغيرها، مما شجعني أيضاً للتحدث عن الاستيطان المتفشي ما بين مدن رام الله والخليل أثناء ‏مرورنا عنها ونحن متجهين للخليل. ‏

وطننا جميل جداً، مع صغر هذا الوطن مقارنة بدول عربية أخرى يكسوها التراب والكثبان ‏الرملية، إلا أننا للأسف لم نر منه إلا القليل من جمال طبيعته المتمثلة بالمحميات الطبيعية ‏منها وادي القف في الخليل، ومنها محمية وادي قانا في دير إستيا التي يحاول الاحتلال ‏تدميرها وتحويلها إلى مكبٍ للصرف الصحي.   ‏

وادي قانا محمية طبيعية تقع معظم أراضيها في بلدة ديراستيا شمال محافظة سلفيت، تزيد ‏مساحة الوادي عن 10,000 دونم من الأراضي الزراعية الخضراء. ‏

كم هي جميلة تلك الطبيعة الخالدة، لكنها ستكون أجمل عندما يرحل عنها الإحتلال، أثناء ‏مسيرنا في الوادي لفت نظري تلك الكهوف التي في الجبال، فسألت الدليل (دليل الجولة) ابن ‏دير إستيا (شريف) والذي أجابني أنها كانت تستعمل لأعمال عسكرية في زمن الرومان، ‏ونظرت أيضاً فرأيت المستوطنات التي في أعالي قمم الجبال تحاصر تلك المحمية الطبيعية، ‏محكمةً على خناقها، لم تتركها على حالها فكثير من نفايات صرف هذه المستوطنات ينكب ‏على هذا الوادي. ‏

‏ ‏استطعت أن أفهم وضعنا في فلسطين من خلال المشاركة في المخيم البيئي واللقاءات ‏والزيارات والأمثلة التي رأيتها من الواقع، وسأذكر بعضاً من الأمثلة: منها لقاؤنا مع رئيس ‏جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين الذي تحدث لنا عن بعض التفاصيل عن سلب الإحتلال ‏الإسرائيلي للمياه والتحكم بآبار المياه، بل وتدمير آبار المياه في قطاع غزة التي أصبحت غير ‏صالحة للاستعمال الآدمي، وحتى المساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني فإنها تأتي بشكل ‏موجه لخدمة الاحتلال من أجل السيطرة على موارد البيئة، وكيف يحرص الاحتلال على ‏السيطرة على الموارد البيئية من خلال توقيعه لأي اتفاقية سلام، وكيف تسيطر شركة ماكروت ‏الإسرائيلية على 80% من مصادر المياه في الضفة الغربية وتبيعه لأصحابها الفلسطينيين.  ‏

الأمر لم يتوقف هنا، بل إن المضايقات البيئية كثيرة فمنها: رفض الإحتلال الإسرائيلي إعطاء ‏تصاريح  لمكب زهرة الفنجان في جنين، هذا المكب الذي يحل مشكلة المكبات العشوائية، ‏وأصبح يستوعب أكثر من ثمانية محافظات بما فيهم جنين وطوباس ونابلس وطولكرم ‏وقلقيلية، حيث طلب مكب زهرة الفنجان تصريحا لثمانية مكبات نفايات ولكن الاحتلال رفض ‏ذلك وما وافق عليه هو مكبين من ثمانية مكبات فقط، وكان هذا من أحد عوامل الضغط على ‏ذلك المكب. ‏

ومن المضايقات التضييق على مصنع الملح في أريحا الذي يستخرج ملح الطعام من مياه ‏البحر الميت، ومنعه من استيراد معدات حديثة واكتفائه بمعداته القديمة، ومنها ما لا تتوقعه ‏وهو تدخل الاحتلال في دباغة جلود مدابغ الزعتري في الخيل.‏

و من جولاتنا في المخيم البيئي الرابع كانت إلى مصنع أحذية في الخليل يقوم بدباغة الجلود، ‏حيث شرح لنا آلية الصنع بدءاً من شراء الجلود ومن ثم غسلها وتنظيفها ووضع مادة (الكروم) ‏عليها لتحويل الجلود من مادة لحمية إلى مادة قابلة للمعالجة والصباغة والتلوين، وبعدها ‏يقومون بصبغها باللون الذي تريده شركة الملابس أو شركة الأحذية بالمواصفات التي ‏يطلبونها منهم.‏

 ‏وأيضا ً في طوباس ما يفعله المسلماني من استخدام الخلايا الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية ‏وبيعها لبلدية طوباس بدلاً من شراء الطاقة الكهربائية من الاحتلال. ومنها أيضاً مدينة أريحا ‏الزراعية الصناعية التي زرناها في اليوم الثالث من أيام المخيم البيئي حيث قابلنا المسؤولة ‏عن المدينة التي وضحت لنا دعم اليابان لهذه المنطقة وأنه تم إنجاز المرحلة الأولى منها فقط ‏وبقيت مرحلتين لم تنجزا إلى الآن، وهذه المدينة تقوم بتنظيم المصانع بجعلها في مكان واحد ‏وتنظيم كل منها على حدة فمنطقة الصناعات الزراعية في مكان والصناعات البلاستيكية في ‏مكان وهكذا، كما أن هذه المدينة تحافظ على البيئة بشروط وقواعد تفرضها على المصانع وأي ‏مصنع لا يلتزم بهذه القواعد تفرض عليه عقوبات من غرامات وغيرها.‏

سرنا في المدينة الناشئة التي لم أر فيها إلا بعضاً من المصانع منها مصنع قمنا بزيارته واسمه ‏بيبر بال والذي يقوم بتحويل الأوراق المتلفة والكتب غير المستعملة إلى محارم ورقية. رغم ‏حداثة المصنع إلا أنك ترى الإصرار والنجاح يتدفق في نظر عامليه ومديره الذي استطاع ‏أيضاً تدوير أوراق النخل مع سعفها المرمى في شوارع أريحا إلى ورق محارم، علماً أنهم هم ‏أول من نجحوا بتدوير سعف النخيل إلى أوراق المحارم.‏

 استفدنا الكثير من المعلومات البيئية عن الأعشاب وذلك أثناء زيارتنا لشركة أبو خيزران ‏للأعشاب الطبية وهي شركة فلسطينية رائدة تصدر منتجاتها لمختلف أنحاء العالم خصوصاً ‏الدول الأوروبية.‏

أو عن النحل ومدى أهميته في الطبيعة، وأن العسل الفلسطيني قد حاز على المرتبة الأولى من ‏حيث الجودة عالمياً، ولماذا سينقرض الإنسان إذا انقرض النحل بعده بأربع سنين. ‏

 أو عن الكلاب ودورها من خلال زيارتنا لجمعية الرفق بالحيوان، أو عن مشاكل الصرف ‏الصحي في فلسطين بشكل عام وفي الخليل بشكل أخص، وحتى عن كيفية عمل بعض ‏المصانع مثل مصنع الملح ومصنع الجلود ومصنع الفخار. ‏

ولا أنسى طبعاً الجو الممتع الذي كان يسود بين أفراد المخيم البيئي الرابع.‏

‏صحيح أنني ركزت كثيراً في مقالتي على الجانب السياسي للمخيم البيئي؛ لأنني كنت أعتقد أن ‏البيئة علاقتها ثانوية أو تبعية بالسياسة، ولكنني بعد المخيم البيئي أدركت أن البيئة هي أساس ‏السياسة، وأننا لا نستطيع التحرر قيد أنملة لا بالقوة ولا حتى باعتراف الدول لنا في المنظمات ‏الدولية لطالما لم نستطع السيطرة على موادنا الطبيعية والتحكم فيها واستغلالها بشكل صحيح. ‏أدركت حينها أن البيئة ليست جزءاً من الحياة، ولكن البيئة هي كل الحياة.‏


Read 191 times

© 2024 جامعة النجاح الوطنية